إنتل تفرمل طموحاتها في السيارات: تسريح واسع للعمال وانهيار خطط القيادة الذاتية

إنتل تتخلى عن طموحاتها في مجال السيارات: إعادة هيكلة جذرية وتخفيضات كبيرة في الوظائف
في خطوة مفاجئة، أعلنت شركة إنتل، عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية، عن قرارها بإنهاء أعمالها في مجال هندسة السيارات، مع تسريح غالبية موظفي هذا القطاع. يأتي هذا القرار في إطار عملية إعادة هيكلة أوسع نطاقاً تشهدها الشركة، والتي تهدف إلى تركيز جهودها على مجالاتها الأساسية، وعلى رأسها الحوسبة الشخصية ومراكز البيانات. هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مستقبل إنتل في سوق السيارات المتنامي، وتلقي بظلالها على استراتيجيتها الطموحة في هذا المجال.
خلفية القرار: تحول في الأولويات
أكدت إنتل في بيان رسمي أنها قررت إنهاء أعمالها في قطاع السيارات ضمن مجموعة الحوسبة الشخصية التابعة لها. وأوضحت الشركة أنها ملتزمة بضمان انتقال سلس لعملائها، دون الكشف عن عدد الموظفين المتأثرين بهذا القرار أو مواقعهم الجغرافية.
يعكس هذا القرار تحولاً في أولويات إنتل، التي تسعى إلى تعزيز عروض منتجاتها وتلبية احتياجات عملائها في المجالات الأكثر ربحية. يأتي هذا التحول في وقت تواجه فيه الشركة تحديات كبيرة في سوق الرقائق الإلكترونية، بما في ذلك المنافسة الشديدة من شركات مثل TSMC و AMD.
استثمارات ضخمة وطموحات كبيرة: لمحة عن تاريخ إنتل في قطاع السيارات
لم يكن قرار إنتل بالتخلي عن قطاع السيارات وليد اللحظة. فقد شهدت السنوات الأخيرة استثمارات ضخمة من الشركة في هذا المجال، خاصة في تقنيات القيادة الذاتية والسيارات الذكية. بدأت هذه الاستثمارات في حوالي عام 2015، عندما خصصت ذراع الاستثمار التابعة للشركة مبلغ 250 مليون دولار أمريكي لدعم تقنيات السيارات.
في عام 2017، استحوذت إنتل على شركة Mobileye الإسرائيلية المتخصصة في تقنيات القيادة الذاتية مقابل 15.3 مليار دولار أمريكي. كان هذا الاستحواذ بمثابة دفعة قوية لطموحات إنتل في سوق السيارات، وساهم في تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في هذا المجال. وبعد ذلك، تم فصل Mobileye كشركة مستقلة مدرجة في البورصة، ولا تزال إنتل مساهماً رئيسياً فيها.
في عام 2020، قامت إنتل بالاستحواذ على شركة Moovit الإسرائيلية الناشئة المتخصصة في خدمات النقل العام مقابل 900 مليون دولار أمريكي. هذه الخطوة عكست اهتمام إنتل المتزايد بتقديم حلول متكاملة للسيارات الذكية والمدن الذكية.
"المركبات المعرفة بالبرمجيات": رؤية إنتل للمستقبل
ركزت إنتل في السنوات الأخيرة على تطوير تقنيات "المركبات المعرفة بالبرمجيات"، والتي تعتمد على استخدام البرمجيات لتحديد وظائف السيارة والتحكم فيها. تهدف هذه التقنية إلى توفير تجربة قيادة أكثر تخصيصاً وذكاءً، بالإضافة إلى تمكين تحديثات البرامج عن بعد وتحسين أداء السيارة بمرور الوقت.
عرضت إنتل أحدث تقنياتها في هذا المجال في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية (CES) لعام 2025، بما في ذلك نظام معالج متكامل (SoC) مدعم بالذكاء الاصطناعي مصمم خصيصاً للسيارات، وكان من المقرر إنتاجه بحلول نهاية عام 2025. كما قدمت الشركة هذا المعالج في معرض شنغهاي للسيارات في أبريل الماضي.
رياح التغيير: أسباب التخلي عن قطاع السيارات
على الرغم من الاستثمارات الكبيرة والطموحات الكبيرة، واجهت إنتل تحديات كبيرة في قطاع السيارات. أدت هذه التحديات، بالإضافة إلى التغيرات في قيادة الشركة والأولويات الاستراتيجية، إلى قرار التخلي عن هذا القطاع.
في أبريل الماضي، حذر الرئيس التنفيذي الجديد لشركة إنتل، ليب-بو تان، من تخفيضات محتملة في الوظائف في جميع أنحاء الشركة بسبب انخفاض المبيعات والتوقعات الاقتصادية القاتمة. في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الشركة عن خطط لتسريح ما بين 15% و 20% من العاملين في قسم Intel Foundry، المسؤول عن تصميم وتصنيع وتغليف أشباه الموصلات للعملاء الخارجيين.
تداعيات القرار: ما الذي يعنيه للمستقبل؟
يمثل قرار إنتل بالتخلي عن قطاع السيارات ضربة قوية لطموحاتها في هذا المجال. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الشركة ستواصل دعم عملائها في مجال السيارات من خلال Mobileye أو من خلال شراكات أخرى.
من المحتمل أن يؤدي هذا القرار إلى إعادة تقييم استراتيجية إنتل في سوق السيارات، وربما إلى تغييرات في هيكل الشركة وعملياتها. قد يؤثر هذا القرار أيضاً على مستقبل تقنيات "المركبات المعرفة بالبرمجيات" التي طورتها إنتل، وعلى المنافسة في سوق السيارات الذكية.
نظرة مستقبلية: ما الذي ينتظر إنتل؟
يواجه قطاع صناعة الرقائق الإلكترونية تحديات كبيرة في الوقت الحالي، بما في ذلك المنافسة الشديدة وارتفاع التكاليف والاضطرابات في سلاسل التوريد. تسعى إنتل إلى التغلب على هذه التحديات من خلال إعادة هيكلة أعمالها وتركيز جهودها على المجالات الأكثر ربحية.
سيعتمد مستقبل إنتل على قدرتها على تنفيذ استراتيجيتها الجديدة بنجاح، وعلى قدرتها على التكيف مع التغيرات السريعة في سوق التكنولوجيا. يجب على الشركة أن تواصل الاستثمار في البحث والتطوير، وأن تبتكر منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات عملائها المتغيرة.
على الرغم من قرارها بالتخلي عن قطاع السيارات، لا تزال إنتل لاعباً رئيسياً في صناعة الرقائق الإلكترونية، ولديها القدرة على البقاء في الطليعة. يعتمد نجاحها في المستقبل على قدرتها على اتخاذ القرارات الصحيحة، وعلى تنفيذ استراتيجيتها الجديدة بفعالية.