إيران وأمريكا: واتساب خطرٌ على الأمن القومي



لماذا تتفق إيران والولايات المتحدة على خطورة واتساب على الأمن القومي؟

تُعتبر منطقة الشرق الأوسط ساحةً لصراعٍ مُمتدٍّ لعقودٍ بين الدول المجاورة والكيان الصهيوني. لكن الحرب الأخيرة تُمثّل منعطفاً جديداً، حيث أذهلت قدرات إسرائيل على تحديد مواقع شخصياتٍ بارزةٍ واستهدافها بدقةٍ غير مسبوقة، مُثيرَةً تساؤلاتٍ حول الكيفية التي تمكّنت بها من تحقيق ذلك.

الدقة الاستثنائية في الاستهداف: دور التكنولوجيا

في الأسبوعين الماضيين، أعلنت إسرائيل عن عملياتٍ عسكريةٍ استهدفت قادةً وعلماءً إيرانيين بارزين، في عمليةٍ أُطلق عليها اسم "الأسد الصاعد". أثارت هذه العمليات دهشةً عالميةً، خاصةً بالنظر إلى الحماية الأمنية المُشدّدة المُحيطة بهذه الشخصيات. فكيف تمكّنت إسرائيل من تحديد أهدافها بدقةٍ مُذهلة؟ يكمن الجواب، جزئياً على الأقل، في التكنولوجيا المُستخدمة.

اتهامات إيران لواتساب: تسريب البيانات الحساسة

وجهت إيران أصابع الاتهام نحو تطبيق واتساب، المملوك لشركة ميتا الأمريكية، مُزعمَةً تسريب بياناتٍ حساسةٍ لمستخدميه إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وذهبَت إيران إلى حدّ القول إن هذا الخرق للخصوصية ساهم في نجاح الغارات الجوية الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل العديد من المسؤولين العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين. وقد حثّت الحكومة الإيرانية مواطنيها، عبر وسائل الإعلام الرسمية، على حذف تطبيق واتساب من هواتفهم الذكية على الفور.

ردّ ميتا: التشفير التام بين الطرفين

نفَت شركة ميتا هذه الاتهامات بشدة، مُؤكّدةً استخدام تطبيق واتساب لتقنية التشفير التام بين الطرفين، والتي تُعني، من الناحية النظرية، عدم قدرة أي جهة، بما في ذلك ميتا نفسها، على قراءة الرسائل المُتبادلة بين المستخدمين. صرّحت ميتا بأنها لا تتتبّع مواقع المستخدمين بدقة، ولا تحتفظ بسجلات رسائلهم، ولا تُشارك أي معلومات مع أي جهة حكومية.

الموقف الأمريكي المتناقض: حظر واتساب في الكونغرس

على الرغم من ادعاءات ميتا، أعلن مجلس النواب الأمريكي عن حظر استخدام واتساب على جميع أجهزته، مُعبّراً عن مخاوف أمنيةٍ تتعلق بالتطبيق وآلية تشفير بياناته. يُشير هذا الموقف إلى وجود تناقضٍ واضحٍ بين التصريحات الرسمية لشركة ميتا والمخاوف الأمنية التي تُعبر عنها الحكومة الأمريكية. ففي حين تُصرّ ميتا على أمان تطبيقها، تُبدي الولايات المتحدة، من خلال قرار مجلس النواب، شكوكاً كبيرةً حول هذا الأمر. وهذا ما يُمثّل نقطةً مُهمّةً في هذا السياق، حيث تتفق طهران وواشنطن على خطورة محتملة، وإن اختلفت أسبابها.

"العيون الخمس" ومساعي الوصول إلى البيانات المشفرة

يُعرف تحالف "العيون الخمس" (Five Eyes)، الذي يضم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، بأنه أحد أقوى وأقدم تحالفات الاستخبارات في العالم. في يوليو 2019، عقدت وكالات استخبارات هذه الدول اجتماعاً سرياً في لندن، نوقشت فيه سبل منح الجهات الأمنية صلاحياتٍ خاصةً للوصول إلى الرسائل المشفرة على تطبيق واتساب، من خلال ما يُعرف بـ "الباب الخلفي" (backdoor).

التعاون مع إسرائيل: دور منشأة "باين غاب"

يُشار إلى أن تحالف "العيون الخمس" يتعاون بشكلٍ وثيقٍ مع إسرائيل. ففي يناير 2024، اغتالت إسرائيل صالح العاروري، نائب رئيس حركة حماس، بناءً على معلوماتٍ استخباراتيةٍ جُمِعت جزئياً من منشأة "باين غاب" (Pine Gap) في أستراليا، وهي منشأةٌ مُشتركةٌ بين الولايات المتحدة وأستراليا، وتُعتبر عقدةً رئيسيةً في شبكة المراقبة العالمية للتحالف.

مخاطر واتساب على الأمن القومي الأمريكي

أصدر مجلس النواب الأمريكي قراراً بحظر استخدام واتساب، مُبرّراً ذلك بخمسة مخاوفٍ رئيسيةٍ:

1. البيانات الوصفية (Metadata):

تجمع واتساب بياناتٍ وصفيةً عن محادثات المستخدمين، مثل مكان وزمان المكالمات، وهوية المُشاركين، دون محتوى الرسائل نفسها. هذه البيانات، وإن بدت غير حساسة ظاهرياً، إلا أنها تُعتبر قيّمةً للغاية لأجهزة الاستخبارات، حيث تُمكّنها من بناء صورةٍ كاملةٍ عن أنماط الاتصال والتواصل بين الأفراد. وقد أظهرت تجارب سابقة أن وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) بنت عملياتٍ استخباريةً كاملةً تعتمد على البيانات الوصفية.

2. اتفاقية واتساب القانونية:

تُتيح اتفاقية واتساب القانونية للشركة نقل بيانات المستخدمين إلى شركاتٍ تابعةٍ أو كياناتٍ أخرى، بما فيها جهات خارجية، وفقاً لما تقتضيه الضرورة أو القانون. وهذا يُثير مخاوفاً تتعلق بانتشار البيانات وتداولها خارج سيطرة المستخدمين.

3. استخدام لقطات الشاشة والبريد الإلكتروني:

يُشكل استخدام لقطات الشاشة وإعادة إرسالها عبر البريد الإلكتروني، كما فعل مستشار الرئيس الأمريكي السابق جاريد كوشنر، ثغرةً أمنيةً كبيرةً، حيث تُنقل البيانات خارج نطاق حماية التشفير الذي يوفره واتساب.

4. اختراق الهواتف المحمولة:

يُمكن اختراق هواتف المستخدمين للحصول على بياناتهم من واتساب، حتى مع اعتماد التطبيق على تشفير قوي.

5. العامل البشري:

يُعتبر العامل البشري الحلقة الأضعف في سلسلة الأمن السيبراني. فاستخدام الموظفين الحكوميين لتطبيقاتٍ مثل واتساب على هواتفهم الشخصية (Shadow IT) يُزيد من احتمالية حدوث اختراقاتٍ أمنيةٍ، بغض النظر عن مدى قوة أنظمة الحماية المُستخدمة.

الخاتمة: التحدي المستمر للأمن السيبراني

يُبرز هذا التحليل مدى تعقيد التحديات الأمنية في العصر الرقمي، وكيف أن التكنولوجيا ذاتها، التي تُستخدم لتعزيز الأمن، تُمثّل في الوقت نفسه مصدرًا للخطر. فبينما تُقدم تطبيقاتٌ مثل واتساب راحةً وسهولةً في التواصل، إلا أنها تُثير في الوقت نفسه مخاوفاً أمنيةً جديةً، تتطلب حلولاً مُبتكرةً وتعاوناً دولياً لحماية الأمن القومي. فالتحدي يكمن ليس فقط في تطوير تقنيات حماية مُتقدّمة، بل أيضاً في تغيير السلوكيات البشرية وتوعية المستخدمين بمخاطر استخدام التطبيقات دون وعيٍ كاملٍ بمخاطرها الأمنية. والتوافق المُفاجئ بين طهران وواشنطن على خطورة تطبيق واحد، يُشير إلى حجم هذه المخاطر وتأثيرها المُحتمل على الأمن القومي للدول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى