اختبارات الذكاء الاصطناعي: معايير أشدّ؟

نماذج الذكاء الاصطناعي: الحاجة الملحة لمعايير اختبارات أكثر صرامة
مع تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، سواءً للأغراض الإيجابية أو السلبية، برزت مخاوف جدية بشأن سلوكيات ضارة تصدر عن هذه النماذج. تتراوح هذه السلوكيات من خطاب الكراهية وانتهاكات حقوق الملكية الفكرية إلى أمور أخرى أكثر تعقيداً. يُعزى هذا الوضع، حسبما أشار باحثون لشبكة CNBC، إلى نقص اللوائح التنظيمية وقصور إجراءات الاختبار التي تخضع لها هذه النماذج قبل إطلاقها في السوق.
تحديات اختبار نماذج الذكاء الاصطناعي
ضمان الأداء المتوقع
يُشكل ضمان عمل نماذج التعلم الآلي بالشكل المطلوب تحديًا كبيرًا، كما أكد خافيير راندو، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي المتخصص في التعلم الآلي العدائي. بعد ما يقرب من 15 عامًا من البحث المكثف، لا يزال تحديد طريقة فعّالة لضمان هذا الأداء المتوقع لغزًا محيراً. يُظهر هذا الواقع الحاجة الملحة لتطوير منهجيات اختبار أكثر دقة وشمولية.
الاختبارات الحالية: قصور وفرص
على الرغم من وجود بعض أساليب تقييم المخاطر، مثل تقنية "الفرق الحمراء" (Red Teaming) المستوحاة من مجال الأمن السيبراني، إلا أنها تعاني من قصور. تقوم هذه التقنية على اختبار النماذج من قبل فرق متخصصة للكشف عن نقاط الضعف المحتملة، إلا أن شاين لونغبري، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي والسياسات ورئيس مبادرة "Data Provenance Initiative"، أشار إلى نقص عدد العاملين في هذه الفرق.
أهمية الاختبارات الخارجية
يؤكد لونغبري وآخرون على أهمية إتاحة الاختبار لأطراف ثالثة مستقلة، مثل المستخدمين العاديين، والصحفيين، والباحثين، والمخترقين الأخلاقيين. فمن شأن هذا التنوع في المختبرين أن يُقدم تقييمًا أكثر دقة وشمولية، مما يُساعد على الكشف عن عيوب قد لا تظهر في الاختبارات الداخلية. وقد أشار لونغبري إلى أن بعض العيوب التي تم اكتشافها تتطلب خبرة متخصصة في مجالات قانونية أو طبية لفهمها وتقييمها، مما يُبرز محدودية الاعتماد على الاختبارات الداخلية فقط.
نحو معايير موحدة وشفافة
توصي دراسة أجراها لونغبري وزملاؤه باعتماد تقارير موحدة عن "عيوب الذكاء الاصطناعي"، مع تقديم حوافز لنشر هذه المعلومات. هذا النهج سيساهم في بناء قاعدة بيانات شاملة عن نقاط الضعف في مختلف النماذج، مما يُساعد المطورين على تحسين منتجاتهم وتجنب الأخطاء المتكررة. كما يُشدد راندو على أهمية دمج هذه الممارسة التي تركز على المستخدم مع الحوكمة والسياسات، لضمان فهم أفضل للمخاطر المحتملة.
مبادرات رائدة في مجال اختبار الذكاء الاصطناعي
يُعد مشروع "Moonshot"، الذي أطلقته هيئة تطوير وسائل الإعلام والاتصالات في سنغافورة، مثالاً على المبادرات التي تسعى لتطوير معايير اختبار أكثر فعالية. يُجمع هذا المشروع، الذي تم تطويره بالتعاون مع شركات رائدة مثل IBM و DataRobot، بين الحلول التقنية والآليات السياسية.
مكونات مشروع Moonshot
يتضمن مشروع "Moonshot" مجموعة أدوات شاملة لتقييم نماذج اللغة، تشمل معايير الأداء، واختبارات الفرق الحمراء، واختبارات الأساس. كما يوفر آلية تقييم تساعد الشركات الناشئة في ضمان موثوقية نماذجها. يُشير أنوب كومار، رئيس هندسة العملاء للبيانات والذكاء الاصطناعي في IBM لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى أن التقييم عملية مستمرة يجب أن تُجرى قبل وبعد نشر النماذج. على الرغم من تباين ردود الفعل على هذه المجموعة من الأدوات، إلا أنها تعتبر خطوة مهمة نحو تحسين عملية الاختبار.
التطوير المستقبلي لمشروع Moonshot
يهدف مشروع "Moonshot" إلى التطوير المستمر، بما في ذلك تضمين التخصيص لحالات استخدام محددة في صناعات معينة، وتمكين عمل فرق حمراء متعددة اللغات والثقافات. هذا التوجه يُعزز من قدرة المشروع على تقييم النماذج في سياقات متنوعة وثقافات مختلفة.
ضرورة معايير صارمة قبل الإطلاق
يُشدد بيير ألكييه، أستاذ الإحصاء في كلية ESSEC للأعمال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على ضرورة تبني معايير صارمة قبل إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة. ويُقارن العملية الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي بعملية تطوير الأدوية أو الطائرات، حيث تخضع المنتجات لاختبارات صارمة قبل الحصول على الموافقة. ويُؤكد على أن نماذج الذكاء الاصطناعي يجب أن تستوفي شروطًا مماثلة قبل إطلاقها في السوق.
التخصص مقابل النماذج العامة
يُشير ألكييه إلى أن التحول من نماذج الذكاء الاصطناعي العامة إلى نماذج مصممة لمهام محددة سيسهل من توقع إساءة استخدامها والتحكم فيها. فالنماذج اللغوية الكبيرة، على الرغم من قدراتها المتعددة، إلا أنها ليست موجهة لمهام محددة بما يكفي، مما يزيد من عدد حالات إساءة الاستخدام المحتملة. ويُؤكد بحث شارك فيه راندو على صعوبة تحديد ما يُعتبر آمنًا ومأمونًا في هذه النماذج العامة.
في الختام، تُبرز هذه الدراسات والحلول المقترحة الحاجة الماسة لمعايير اختبارات أكثر صرامة وشمولية لنماذج الذكاء الاصطناعي. يجب أن تتجاوز هذه المعايير الاختبارات الداخلية، لتشمل تقييمًا دقيقًا من قبل أطراف ثالثة مستقلة، مع اعتماد تقارير موحدة وشفافة. هذا النهج سيُساهم في ضمان سلامة هذه التقنيات وتقليل المخاطر المرتبطة بها.