استقالة مهندسة مصرية من مايكروسوفت: جدل غزة يتجدد

استقالة مهندسة مصرية من مايكروسوفت: جدل أخلاقي وتقني يتجدد حول دور التكنولوجيا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
تُثير استقالة المهندسة المصرية مريم شلبي من شركة مايكروسوفت، العملاق الأمريكي في مجال التكنولوجيا، جدلاً واسعاً حول دور الشركات التقنية العالمية في الصراعات المسلحة، وتحديداً الصراع الدائر في قطاع غزة. فقد أعلنت شلبي، المقيمة في القاهرة، استقالتها في رسالة بريد إلكتروني داخلية، متهمةً مايكروسوفت بالتواطؤ فيما وصفته بـ"الجرائم ضد الإنسانية" المرتكبة في غزة، وذلك بسبب دعم الشركة التكنولوجي للجيش الإسرائيلي. وتُضاف استقالة شلبي إلى سلسلة استقالات لموظفين آخرين في مايكروسوفت، معبرين عن رفضهم لسياسات الشركة المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أبعاد استقالة مريم شلبي: ما وراء القرار؟
لم تكن استقالة مريم شلبي مجرد قرار فردي، بل تعكس مخاوف عميقة تتجاوز حدود الشركة نفسها، لتشمل مناقشات أخلاقية حول مسؤولية الشركات التقنية العملاقة عن استخدام منتجاتها في سياقات مسلحة. فقد أوضحت شلبي في رسالتها أنها لم تعد قادرة على العمل في شركة تُسهم، برأيها، في تمكين عمليات عسكرية تسببت في معاناة مدنية واسعة النطاق في غزة. وقد عبرت عن خيبة أملها من مايكروسوفت، التي كانت تعتبرها "شركة أحلام"، بعدما اكتشفت حجم تعاونها مع وزارة الدفاع الإسرائيلية.
دور خدمات مايكروسوفت السحابية والذكاء الاصطناعي
ركزت شلبي في رسالتها على دور خدمات مايكروسوفت السحابية، Azure، وأدوات الذكاء الاصطناعي في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية. فقد أشارت إلى تقارير دولية، من بينها تقرير للأمم المتحدة نُشر في مايو 2025، والذي وثق مقتل أكثر من 54 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 15 ألف طفل، في غزة منذ بداية التصعيد في أكتوبر 2023. كما أبرزت التقرير انتقاداته للحصار المفروض على غزة، ووصفه بأنه انتهاك للقانون الدولي. وترى شلبي أن مايكروسوفت، بدلاً من اتخاذ موقف أخلاقي، "عززت العنف بشكل نشط" من خلال توفير الدعم التكنولوجي للجيش الإسرائيلي.
الرقابة الداخلية وإسكات الأصوات المعارضة
لم تقتصر انتقادات شلبي على التعاون مع إسرائيل، بل امتدت لتشمل الثقافة الداخلية في مايكروسوفت. فقد اتهمت الشركة بفرض رقابة على اتصالات الموظفين، والانتقام من الذين يعبّرون عن مخاوف أخلاقية. وأشارت إلى محاولات الشركة إسكات الأصوات المعارضة، مُدينةً بياناً أصدرته مايكروسوفت اعترفت فيه بتقديم "وصول خاص" إلى تقنياتها، لكنها نفت معرفة كيفية استخدامها من قبل العملاء. وصفت شلبي هذا البيان بأنه محاولة فاشلة لإدارة صورتها العامة.
حملة "لا لآزور للفصل العنصري" ودعم زملاء شلبي
لقي قرار شلبي دعماً واسعاً من قبل موظفين آخرين في مايكروسوفت، خاصةً من قبل حملة "لا لآزور للفصل العنصري"، التي تطالب الشركة بإنهاء جميع عقودها مع الجيش الإسرائيلي. وقد أعلنت الحملة دعمها لمريم شلبي، وكررت دعوتها لمقاطعة التعاون مع الجيش الإسرائيلي. وتُعتبر هذه الحملة دليلاً على وجود مخاوف متزايدة بين موظفي مايكروسوفت حول المسؤولية الأخلاقية لشركتهم.
ردود مايكروسوفت وتوضيحاتها
من جانبها، أكدت مايكروسوفت في مايو 2025 أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تستخدم خدماتها السحابية وخدمات الذكاء الاصطناعي، لكنها نفت تورطها في هجمات على المدنيين. وأوضحت الشركة أن دعمها للحكومة الإسرائيلية كان محدوداً ويهدف إلى مساعدة عمليات إنقاذ الرهائن في أيام التصعيد الأولى. إلا أن هذه التوضيحات لم تُقنع العديد من الناشطين والأوساط الإعلامية، التي رأت أن الشركة تحاول التستر على دورها في الصراع.
التحديات الأخلاقية والقانونية لشركات التكنولوجيا
تُبرز قضية استقالة مريم شلبي التحديات الأخلاقية والقانونية التي تواجهها شركات التكنولوجيا العالمية. فقد أصبح واضحاً أن التكنولوجيا لا تُستخدم فقط في أغراض سلمية، بل يمكن استغلالها في الصراعات المسلحة، مما يُلقي مسؤولية كبيرة على الشركات لضمان عدم استخدام منتجاتها في انتهاكات حقوق الإنسان. وتُطرح أسئلة مهمة حول الشفافية في التعاملات التجارية، وإمكانية فرض ضوابط أكثر صرامة على تصدير التكنولوجيا إلى البلدان المتورطة في صراعات مسلحة.
دعوة للمزيد من الشفافية والمساءلة
تُعد قضية مريم شلبي دعوةً للمزيد من الشفافية والمساءلة من قبل شركات التكنولوجيا. فمن الضروري أن تضع هذه الشركات إطاراً أخلاقياً صارماً يحدد كيفية استخدام منتجاتها، ويضمن عدم استغلالها في انتهاكات حقوق الإنسان. كما يجب أن تُحاسب الشركات على أي انتهاكات تُرتكب باستخدام منتجاتها، وذلك من خلال تشريعات قانونية صارمة ومؤثرة.
الخاتمة: مستقبل التكنولوجيا والأخلاق
تُشكل استقالة مريم شلبي من مايكروسوفت لحظةً فاصلةً في النظر إلى العلاقة بين التكنولوجيا والأخلاق. فقد أثارت هذه القضية نقاشاً حيوياً حول مسؤولية الشركات التقنية عن استخدام منتجاتها، ودورها في الصراعات المسلحة. ويُتوقع أن تُؤدي هذه القضية إلى زيادة الضغوط على شركات التكنولوجيا لتبني مواقف أكثر وضوحاً وتحديداً في ما يتعلق باستخدام تكنولوجياتها في المجالات الحساسة. ويبقى السؤال المهم: هل ستُغيّر هذه القضية من سلوك شركات التكنولوجيا في المستقبل؟ أم أن البحث عن الأرباح سيظل يُغلب المُثل الأخلاقية؟