الإنترنت يعرف عنّا ماذا؟



ماذا يعرف الإنترنت عنّا؟ رحلة في عالم البيانات الضخمة والخصوصية الرقمية

26 يونيو 2025

آخر تحديث: 11:42 (توقيت مكة المكرمة)

من الهامش إلى الضرورة: ثورة الإنترنت وتحدياتها

شهد الإنترنت تطوراً مذهلاً منذ بداياته المتواضعة، حيث انتقل من أداة حكرها المهوسون التقنيون وقلة من المستخدمين إلى ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، وفقاً للعديد من التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. لكن هذه الثورة الرقمية لم تأتِ خالية من التحديات، أبرزها مسألة جمع البيانات الشخصية للمستخدمين وتداولها، مما يثير تساؤلات جدية حول خصوصيتنا في هذا العالم الرقمي المترابط. فهل الإنترنت هو حقاً "ثوب أبيض لا دنس فيه" كما يعتقد البعض؟ الجواب، للأسف، هو لا.

البيانات: السلعة الجديدة في عصر المعلومات

يُخزّن الإنترنت كمية هائلة من البيانات حول مستخدميه، تتجاوز بكثير ما يمكن تخيله. السؤال هنا ليس "ما الذي يعرفه الإنترنت عنك؟" بل "ماذا لا يعرفه الإنترنت عنك؟". الإجابة بكل بساطة هي القليل جداً. لكن كيف يتم جمع هذه البيانات الضخمة، ولماذا؟

دوافع جمع البيانات: من وراء هذا الكم الهائل من المعلومات؟

قبل الغوص في آليات جمع البيانات، من المهم فهم الدوافع وراء هذه العملية. فالإنترنت بحد ذاته ليس سوى وسيط، أداة لنقل وجمع البيانات وإيصالها إلى المستخدمين في أنحاء العالم. أما الجهات التي تقوم فعلياً بجمع هذه البيانات فهي الشركات الكبيرة، وخاصة شركات "البيانات العميقة" (Big Data). هذه الشركات تُعتبر لاعبين أساسيين في سوق بيانات الاستخدام، حيث تقوم بجمعها، تحليلها، وبيعها لشركات أخرى لاستخدامها في التسويق المستهدف ومجالات أخرى.

البيانات العميقة وعلم البيانات: فرص وتحديات

مع انتشار شركات البيانات العميقة، برز علم البيانات كحقل دراسي هام. فهو يُعنى بدراسة و تحليل هذه الكميات الهائلة من البيانات، مما يُفتح آفاقاً واسعة في مجالات متعددة، منها:

تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي: تُستخدم بيانات المستخدمين لتدريب الخوارزميات و تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، سواء كانت نماذج عامة أو متخصصة في قطاعات معينة.
التسويق الرقمي: تُساعد البيانات الشركات على فهم سلوك المستهلكين و تصميم حملات إعلانية مُستهدفة و فعّالة.
تطوير المنتجات: تُستخدم البيانات لفهم احتياجات المستهلكين و تحسين المنتجات والخدمات المقدمة.

لكن هذا التطور يأتي مع تحديات كبيرة تتعلق بخصوصية المستخدمين وحماية بياناتهم الشخصية. ففي هذا العصر، أصبحت البيانات الرقمية هي السلعة الأكثر قيمة، مما يُشجع الشركات على استثمار مليارات الدولارات للحصول عليها و تحليلها. وعبارة "إن لم تجد سلعة، فأنت السلعة" تصف واقع العديد من مستخدمي الأنترنت.

أنواع البيانات التي يتم جمعها: نظرة متعمقة

تجمع الشركات كمية هائلة من البيانات، بعضها يبدو واضحاً والبعض الأخر مخبأ في تفاصيل استخدامنا للإنترنت. ويمكن تصنيف هذه البيانات إلى عدة فئات:

البيانات الأساسية: الاسم، البريد الإلكتروني، رقم الهاتف، محل الإقامة، الجنسية، اللغة.

البيانات المتقدمة: عنوان الإقامة الدقيق، الفئة العمرية، الانتماءات السياسية، الاجتماعية، والدينية.

البيانات الخاصة: نوع الجهاز المستخدم، سرعة الإنترنت، مزود الخدمة، التفضيلات الشخصية، المواقع التي يتم زيارتها بشكل متكرر.

البيانات التحليلية: مدة البقاء في المواقع المختلفة، طريقة استخدام المواقع، تفضيلات الشراء، آليات الدفع.

بيانات التجسس والتتبع: هذه البيانات تجمع لأغراض أمنية أو لأغراض غير قانونية، وتجمعها غالباً السلطات الحكومية أو الجهات المختصة في مكافحة الجريمة السيبرانية، أو من قبل مهاجمين سيبرانيين.

يتم جمع هذه البيانات من مصادر متعددة، منها:

شركات الطرف الأول: المواقع والتطبيقات التي نستخدمها مباشرة.
شركات الطرف الثالث: أدوات التتبع الخارجية المُثبتة على المواقع والهادفة لجمع بيانات المستخدمين الذين يزورون هذه المواقع.
شركات الهواتف والحواسيب: تجمع هذه الشركات بيانات استخدام أجهزتها من أجل تحليل الأداء وحل المشاكل الفنية.

آليات جمع البيانات: كيف يتم تتبعنا؟

تُستخدم طرق متعددة لجمع البيانات، منها:

ملفات الارتباط (Cookies): تُخزن هذه الملفات الصغيرة معلومات حول سلوك المستخدم على المواقع الالكترونية.
أدوات التتبع الخارجية: تُستخدم هذه الأدوات لتتبع حركة المستخدم على الشبكة.
إدخال البيانات بشكل مباشر: عند إنشاء حساب أو ملء استمارات على المواقع والتطبيقات.

في معظم الحالات، يتم طلب موافقة المستخدم على جمع بياناته، لكن هذه الموافقة غالباً ما تكون ضمن شروط الخدمة الطويلة والصعبة الفهم، مما يجعل من الصعب رفضها دون التخلي عن الخدمات المقدمة.

هل يمكن إيقاف جمع البيانات؟ خيارات لحماية الخصوصية

نعم، يمكن إيقاف جمع بعض البيانات، لكن هذا قد يؤدي إلى تقييد إمكانية الوصول إلى بعض الخدمات على الإنترنت. لكن هناك طرق للتقليل من كمية البيانات المجمعة، منها:

استخدام تطبيقات VPN: تساعد هذه التطبيقات على إخفاء عنوان IP و تشفير الاتصال بالإنترنت.
استخدام متصفحات آمنة: مثل متصفح Brave أو DuckDuckGo.
استخدام عناوين بريد إلكتروني وهمية: لتجنب مشاركة عنوان البريد الإلكتروني الحقيقي.
استخدام الخدمات التي تعزز الخصوصية: مثل محرك البحث DuckDuckGo و خدمات البريد الإلكتروني المُعززة للخصوصية.

يجب التذكير بأن وضع التخفي في المتصفحات العادية لا يكفي للحماية الكاملة من تتبع البيانات.

4 خطوات سهلة لحماية بياناتك على الإنترنت

  1. استخدام VPN وشبكات اتصال آمنة: يوفر تشفيراً إضافياً ويُخفي عنوان IP الخاص بك.
  2. استخدام عناوين بريد إلكتروني وهمية: حماية عنوان البريد الإلكتروني الرئيسي من التتبع.
  3. استخدام متصفحات إنترنت آمنة: مثل Brave و DuckDuckGo.
  4. الاعتماد على خدمات ذات خصوصية معززة: مثل محرك بحث DuckDuckGo وخدماته الأخرى.

في الختام، يُشكل جمع البيانات على الإنترنت سيفاً ذات حدين. فهو يُساعد في تطوير التقنيات والخدمات الرقمية، ولكنه يُهدد في الوقت نفسه خصوصية المستخدمين. لذلك، يجب على كل مستخدم أن يكون وعياً بهذه المسألة وأن يتخذ الخطوات اللازمة لحماية بياناته الشخصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى