الذكاء الاصطناعي يُضاعف رواتب المُتخصصين بنسبة 56%!

دراسة: إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي يرفع الرواتب بنسبة تصل إلى 56%! مقدمة:
في ظلّ الثورة التكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محورًا رئيسيًا للتحوّل الرقمي والاقتصادي. وليس الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية متقدمة، بل هو قوة دافعة تُغيّر ديناميكيات الصناعات وتُعزّز الإنتاجية بشكل ملحوظ. وقد أثبتت دراسة حديثة صدرت عن شركة PwC والمُسَمّاة "مؤشر وظائف الذكاء الاصطناعي العالمي لعام 2025" (2025 Global AI Jobs Barometer) أنّ إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أمر مُفضّل، بل هو عامل حاسم يُؤثّر بشكل مباشر على الرواتب ومستقبل الوظائف. فقد كشفت الدراسة عن زيادة في الرواتب تصل إلى 56% للموظفين الذين يمتلكون هذه المهارات، مُثيرَةً التساؤلات حول كيفية الاستفادة من هذه الفرصة الاستثنائية وتأثيرها على سوق العمل العربي بشكل خاص.
تحليل دراسة PwC: أرقام مُذهلة وتوقعات مُثيرة
أجرت شركة PwC دراسةً شاملة استندت إلى تحليل ما يقرب من مليار إعلان وظيفي وآلاف التقارير المالية لشركات في ستّ قارات. هذا النطاق الواسع يُضفي مصداقية كبيرة على النتائج ويُتيح رؤية واضحة للتأثير العميق للذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمي. وللتعمق في تحليلها، صنّفت PwC الوظائف إلى فئتين رئيسيتين:
الوظائف القابلة للتعزيز (Augmentable Jobs):
هذه الوظائف تتميّز باحتوائها على مهامّ يمكن للذكاء الاصطناعي دعمها وتعزيزها. لا يتولّى الذكاء الاصطناعي مهامّ هذه الوظائف بشكل مستقل، بل يساعد الإنسان على إنجازها بصورة أكثر كفاءة وإنتاجية. مثال على ذلك هو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة في قطاع التمويل، حيث يُسرّع الذكاء الاصطناعي من عملية التحليل ويُتيح للمحللين البشريين التفرّغ للاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
الوظائف القابلة للأتمتة (Automatable Jobs):
تشمل هذه الفئة الوظائف التي تتكوّن من مهامّ يمكن للذكاء الاصطناعي إنجازها بشكل مستقلّ أو شبه مستقل. هذا لا يعني بالضرورة فقدان الوظائف، بل يُشير إلى تغيّر طبيعة العمل وتحوّله نحو مهامّ أكثر تعقيدًا وتطلّبًا للمعرفة والإبداع. مثال على ذلك هو بعض مهامّ خدمة العملاء التي يمكن لروبوتات الدردشة (Chatbots) أدائها بفعالية.
الذكاء الاصطناعي: مُعزّز للإنتاجية والنمو الاقتصادي
أظهرت دراسة PwC أنّ الذكاء الاصطناعي قد أدّى إلى زيادة هائلة في الإنتاجية والمُخرجات الاقتصادية، خاصةً في القطاعات التي تبنّت هذه التكنولوجيا بشكل فعّال. فقد شهد نمو الإنتاجية قفزة نوعية في قطاعات مثل الخدمات المالية وتطوير البرمجيات، حيث تضاعف هذا النمو أربع مرات تقريبًا خلال السنوات الأخيرة. بينما شهدت قطاعات أخرى أقلّ استعدادًا لتبني الذكاء الاصطناعي، مثل التعدين والضيافة، تراجعًا طفيفًا في معدّل نمو الإنتاجية. هذا يُبرز أهمية الاستثمار في البنية التحتية والتدريب على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق النمو المستدام.
زيادة الإيرادات:
لم تقتصر زيادة الإنتاجية على الجانب الكمّي، بل امتدّت إلى الجانب الكيفّي أيضًا. فقد سجّلت القطاعات التي تبنّت الذكاء الاصطناعي زيادةً كبيرة في الإيرادات لكلّ موظّف، تصل إلى ثلاثة أضعاف في بعض الحالات. هذا يُؤكّد أنّ الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تكلفة، بل هو استثمار مُربح يُؤدّي إلى زيادة الربحية والنمو الاقتصادي.
سوق العمل في زمن الذكاء الاصطناعي: فرص جديدة لا خسائر
على الرغم من المخاوف الشائعة حول استبدال الذكاء الاصطناعي للعمالة البشرية، لم تُشير دراسة PwC إلى أيّ دليل على انخفاض أعداد الوظائف أو تدهور الأجور. بل على العكس، فقد شهدت الوظائف المُرتبطة بالذكاء الاصطناعي نموًا مُلفتًا، حتى في الوظائف التي كانت تُعتَبر أكثر عرضةً للاتمتة. هذا يُشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يُوفّر فرصًا وظيفية جديدة بدلاً من سرقتها.
نموّ الوظائف:
شهدت الوظائف الأقلّ ارتباطًا بالذكاء الاصطناعي نموًا قويًا بلغ 65%، بينما ظلّ النمو قويًا في الوظائف الأكثر ارتباطًا به (38%). هذا يُبيّن أنّ الذكاء الاصطناعي لا يُسبّب فقدان الوظائف، بل يُغيّر طبيعتها ويُخلق حاجة إلى مهارات جديدة.
مكافآت إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي: ارتفاع الرواتب وتزايد الطلب
أبرزت الدراسة بصورة واضحة العلاقة المباشرة بين إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي وارتفاع الرواتب. فقد شهدت الأجور نموًا مُضاعفًا في الصناعات التي تبنّت الذكاء الاصطناعي بشكل واسع، وهذا يشمل كلا الفئتين من الوظائف (القابلة للأتمتة والقابلة للتعزيز).
زيادة الرواتب بنسبة 56%:
الزيادة الأكثر مُلفتة كانت في مكافآت المهارات ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي. فقد ارتفع متوسط هذه المكافأة إلى 56% هذا العام، مقارنة بـ25% فقط في العام الماضي. هذا يُظهر التقدير الكبير لسوق العمل للموظفين الذين يمتلكون هذه المهارات النادرة والطلب المتزايد عليهم.
التكيّف مع التغيرات: سرعة التعلّم وتطوير المهارات
تُشير الدراسة إلى حاجة ملحّة للتكيّف مع وتيرة التغيّر السريعة في مهارات سوق العمل. فقد تغيّرت المهارات التي يطلبها أصحاب العمل أسرع بنسبة 66% في المهن الأكثر تعرضًا للذكاء الاصطناعي، وهو ما يُلزم العاملين بالتعلّم المستمرّ وتطوير مهاراتهم بشكل متواصل.
تراجع أهمية الشهادات الأكاديمية:
مُلفت أيضًا أنّ الدراسة أشارت إلى انخفاض طلب أصحاب العمل للحصول على شهادات رسمية في الوظائف المُرتبطة بالذكاء الاصطناعي. هذا يُشير إلى أنّ الخبرة العمليّة والمهارات المكتسبة أصبحت أكثر أهمية من الشهادات الأكاديمية التقليدية.
التحديات والفرص أمام سوق العمل العربي
تُطرح هذه الدراسة تحديات وفُرصًا مُهمّة للسوق العربي. فمن جهة، يُمثّل التحول نحو الذكاء الاصطناعي فرصة لتحقيق نموّ اقتصادي مُستدام وخلق وظائف جديدة ومُرتفعة الأجر. لكن من جهة أخرى، يجب على الدول العربية بذل جهود كبيرة لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية والتدريب على مهارات الذكاء الاصطناعي لتجنّب اتساع الفجوة بين القطاعات التي تتبنّى هذه التكنولوجيا وتلك التي تتخلّف عن الركب. كما يجب التركيز على تدريب القوى العاملة على المهارات اللازمة للتكيّف مع متطلبات سوق العمل المُتغيّرة.
الاستنتاج: نحو مستقبل مزدهر بفضل الذكاء الاصطناعي
تُبيّن دراسة PwC أنّ الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو محرّك أساسي للنمو الاقتصادي وتحسين القوى العاملة. مع زيادة الإنتاجية والإيرادات، ونمو الوظائف ذات المهارات العالية، يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي. يُمثّل إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية للفرد والمجتمع على حدّ سواء، لكن يُتطلّب ذلك بذل جهود جبارة في مجالات التعليم والتدريب وتطوير البنية التحتية لتحقيق مستقبل مزدهر للجميع. ويبقى السؤال المُلحّ: كيف نستثمر في هذه الفرصة بشكل أمّثل لتحقيق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي في المجتمعات العربية؟