الصين تستثمر ٩٨ مليار$ في الذكاء الاصطناعي

الصين تستثمر ٩٨ مليار دولار في سباق الذكاء الاصطناعي: تحليل معمق
طفرة استثمارية ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي الصيني
يشهد العالم سباقاً محموماً في مجال الذكاء الاصطناعي، وتتصدر الصين المشهد باستثمارات ضخمة. فقد أصدر بنك أوف أمريكا تقريراً يتوقع أن يصل الإنفاق الرأسمالي على الذكاء الاصطناعي في الصين إلى ما بين ٦٠٠ و٧٠٠ مليار يوان (أي ما يعادل ٨٤ إلى ٩٨ مليار دولار أمريكي) خلال عام ٢٠٢٥. يمثل هذا الرقم نمواً هائلاً بنسبة ٤٨٪ مقارنةً بعام ٢٠٢٤، مؤشراً على طموحات الصين الكبيرة في هذا المجال الحيوي. وتُبرز هذه الأرقام حجم التنافس العالمي الشديد في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع التطورات المتسارعة في هذا المجال.
مصادر التمويل: من الحكومة إلى عمالقة التكنولوجيا
يتوزع هذا الإنفاق الضخم على عدة مصادر رئيسية. فمن المتوقع أن تساهم الحكومة الصينية بمبلغ يصل إلى ٤٠٠ مليار يوان، مما يعكس التزامها الراسخ بدعم هذه التقنية الاستراتيجية. كما تلعب شركات الإنترنت الكبرى دوراً محورياً، حيث من المتوقع أن تستثمر شركات مثل علي بابا وتنسنت ما يصل إلى ١٧٢ مليار يوان. أما الباقي، فيعود إلى مشغلي شبكات الاتصالات الكبرى والاستثمارات الخاصة. هذا التعاون المتكامل بين القطاعين العام والخاص يعتبر عاملاً أساسياً في دفع عجلة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي الصيني.
"ديب سيك" والتأثير المحفز على الاستثمارات
أدى نجاح شركة "ديب سيك" الصينية، وخاصةً إصدارها لنموذجين متقدمين مفتوحي المصدر للذكاء الاصطناعي (V3 و R1) بتكلفة أقل بكثير من مثيلاتها العالمية، إلى خلق زخم كبير في السوق. وقد لفت هذا الإنجاز انتباه العالم، حيث أثبتت "ديب سيك" إمكانية تطوير نماذج لغة كبيرة (LLM) – وهي التكنولوجيا التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "شات جي بي تي" – بتكلفة أقل بكثير من تلك التي تتطلبها الشركات العالمية العملاقة. هذا النجاح حفز شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى على زيادة استثماراتها في هذا المجال بشكل ملحوظ.
استجابة عمالقة التكنولوجيا الصينية: علي بابا وتنسنت كمثال
لم تتردد شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى في الاستجابة لهذا التطور. فقد أعلنت شركة علي بابا عن خطة استثمار ضخمة تصل إلى ٣٨٠ مليار يوان على مدى السنوات الثلاث القادمة لبناء البنية التحتية اللازمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك موارد الحوسبة. كما أعلنت تنسنت عن زيادة هائلة في استثماراتها في هذا المجال، حيث تضاعف إنفاقها الرأسمالي في الربع الأخير من عام ٢٠٢٤ أربع مرات تقريباً على أساس سنوي، ليصل إلى ٣٦.٦ مليار يوان. هذه الخطوات الجريئة تُظهر مدى أهمية الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات هذه الشركات.
البنية التحتية: سباق بناء مراكز البيانات
لا يقتصر الأمر على تطوير البرمجيات فقط، بل يشمل أيضاً بناء البنية التحتية الضرورية. تسعى الحكومة الصينية جاهدةً إلى بناء مراكز بيانات جديدة للذكاء الاصطناعي، في خطوة موازية للمشاريع الضخمة التي تشهدها الولايات المتحدة مثل مشروع "ستارغيت"، والذي يخطط لاستثمار ما يصل إلى ٥٠٠ مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة في تطوير شبكة متقدمة من مراكز البيانات.
التركيز على البنية التحتية: مراكز البيانات والطاقة
على عكس الولايات المتحدة التي تركز بشكل أكبر على أجهزة تكنولوجيا المعلومات مثل أشباه الموصلات، يركز الإنفاق الصيني بشكل أكبر على بناء مراكز البيانات والبنية التحتية للطاقة اللازمة لتشغيلها. وتُعتبر موارد الطاقة ميزةً تنافسيةً كبيرةً للصين، وقد أصدرت بكين خطة عمل تُنسق تطوير مراكز بيانات صديقة للبيئة في مناطق محددة لتلبية متطلبات الطاقة لهذه المرافق. هذا التركيز على البنية التحتية يُظهر استراتيجية شاملة لتطوير قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل مستدام.
الطلب المتزايد على الموارد: فرص استثمارية جديدة
هذا التوسع الهائل في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي سيدفع الطلب على مجموعة واسعة من الموارد، من المتوقع أن يشهد الطلب على النحاس ومعدات الطاقة نمواً سنوياً مركباً يقارب ٢٠٪ بين عامي ٢٠٢٤ و ٢٠٣٠. أما حلول التبريد السائل، فمن المتوقع أن تشهد نمواً سنوياً مركباً بنسبة ٥٧٪ في العام المقبل. هذه الأرقام تُشير إلى فرص استثمارية هائلة في القطاعات المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي.
التحديات والفرص: التنافس مع الولايات المتحدة
تواجه الصين تحديات في هذا السباق، أبرزها القيود التجارية الأميركية على معالجات الذكاء الاصطناعي المتقدمة من شركات مثل إنفيديا. لكنها تسعى جاهدةً لتجاوز هذه العقبات من خلال تطوير قدراتها الذاتية في مجال تصنيع الرقائق الإلكترونية، مع تطلعات كبيرة لقفزة نوعية من شركة هواوي في هذا المجال. رغم ذلك، تستمر الصين في بناء مرافق الحوسبة اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة.
الاستراتيجية الصينية: التركيز على ما تُتقنه
يُلخص ماتي تشاو، الرئيس المشارك لأبحاث الأسهم الصينية في بنك أوف أمريكا للأوراق المالية، الاستراتيجية الصينية في هذه الجملة: "من الواضح أن الصين وأميركا تتنافسان. وبما أن جزءًا كبيرًا من مشكلة الرقائق يعتمد على تطوير التكنولوجيا، أعتقد أن ما يمكن للحكومة الصينية فعله هو ما تجيده في البداية". وهذا يعني التركيز على بناء البنية التحتية القوية وتطوير القدرات المحلية، مما يوفر لها ميزة تنافسية في هذا السباق العالمي. وتُظهر هذه الاستراتيجية مدى فهم الصين لأهمية الاستثمار في البنية التحتية كركيزة أساسية للتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي.