انهيار الإنترنت في إيران: حجب شامل وسط التصعيد العسكري مع إسرائيل

انهيار الإنترنت في إيران: نظرة على الأسباب والتداعيات
شهدت إيران انقطاعاً شبه كامل للإنترنت في الأيام الأخيرة، في تطور يثير تساؤلات حول أسبابه وتأثيراته على المواطنين والقطاعات الحيوية في البلاد. وفقاً لشركات مراقبة الإنترنت المتخصصة، انخفضت مستويات الاتصال بالإنترنت في إيران بشكل كبير، مما أدى إلى حرمان ملايين الإيرانيين من الوصول إلى الشبكة العنكبوتية.
انقطاع الإنترنت: الحقائق والأرقام
أعلنت شركة "NetBlocks"، وهي شركة رائدة في تتبع الوصول إلى الإنترنت حول العالم، عبر منصة "X" (تويتر سابقاً) أن إيران "تعيش الآن في خضم حجب إنترنت وطني شبه كامل". وأكدت منظمات أخرى متخصصة في مراقبة الإنترنت هذا التقييم.
تشير البيانات التي جمعتها "IODA"، وهي نظام يراقب البنية التحتية للإنترنت في الوقت الفعلي تقريباً، إلى الانهيار المفاجئ في الاتصال بالإنترنت في إيران. كما صرح "ديفيد بيلسون"، رئيس قسم رؤى البيانات في شركة "Cloudflare" المتخصصة في البنية التحتية للإنترنت، لموقع "TechCrunch" بأن مستويات حركة مرور الإنترنت في إيران "أقل الآن بنسبة 97% تقريباً عما كانت عليه في نفس الوقت قبل أسبوع". وأشار إلى بيانات الشركة الخاصة حول الاتصال بالإنترنت في إيران كدليل.
السياق الزمني: الحرب الإلكترونية والتوترات الإقليمية
تأتي هذه الانقطاعات في الوقت الذي تشهد فيه إيران وإسرائيل صراعاً عسكرياً متصاعداً. وقد شهدت إيران أيضاً عدة هجمات إلكترونية منذ بداية هذا الصراع، بما في ذلك اختراق بنك إيراني كبير ومنصة تبادل العملات المشفرة.
في أعقاب هذه الهجمات، اتهمت وسائل الإعلام الإيرانية إسرائيل بشن "حرب إلكترونية واسعة النطاق" ضد إيران. وورد أن المسؤولين الإيرانيين بدأوا في تقييد الوصول إلى الإنترنت في البلاد، مما أثار تكهنات حول دور محتمل للحكومة في هذه الانقطاعات.
الأسباب المحتملة: هل هي هجمات سيبرانية أم إجراءات حكومية؟
يبقى السبب الدقيق وراء انهيار الإنترنت في إيران غير واضح حتى الآن. صرح "بيلسون" بأنه "في الحالات المماثلة لانقطاعات الإنترنت شبه الكاملة، غالباً ما نرى انخفاضاً متزامناً في نطاق عناوين IP المعلن عنها، مما يعني أن شبكات الدولة لم تعد مرئية على الإنترنت. ومع ذلك، لم نر مثل هذا النشاط في هذه الحالة". وأضاف: "لا يمكننا سوى رؤية أن حركة المرور انخفضت – البيانات لا تخبرنا لماذا انخفضت".
من جهته، أشار "دوج مادوري"، الخبير في مجال مراقبة الإنترنت والذي يعمل لدى شركة "Kentik"، إلى نفس الانهيار، وكتب عبر منصة "X" أن "العديد من مزودي الخدمات الإيرانيين أصبحوا الآن غير متصلين بالإنترنت في ثاني حجب إنترنت وطني في غضون أيام قليلة". وأضاف أن "هذا التعطيل أكثر حدة من تعطيل الأمس".
تثير هذه التصريحات تساؤلات حول ما إذا كان الانهيار ناتجاً عن هجمات سيبرانية معقدة تستهدف البنية التحتية للإنترنت، أو عن إجراءات حكومية تهدف إلى السيطرة على تدفق المعلومات والحد من الوصول إلى الإنترنت.
تأثيرات انقطاع الإنترنت على المجتمع الإيراني
لانقطاع الإنترنت تأثيرات واسعة النطاق على المجتمع الإيراني. يعتمد الملايين من الإيرانيين على الإنترنت في حياتهم اليومية، سواء للوصول إلى المعلومات، أو التواصل مع الأصدقاء والعائلة، أو إجراء المعاملات المصرفية، أو ممارسة الأعمال التجارية.
- التواصل الاجتماعي: يمثل الإنترنت وسيلة أساسية للتواصل مع العالم الخارجي، خاصة في ظل القيود المفروضة على حرية التعبير والإعلام في إيران.
- الاقتصاد الرقمي: يعتمد قطاع كبير من الاقتصاد الإيراني على الإنترنت، بما في ذلك التجارة الإلكترونية والخدمات المالية والشركات الناشئة.
- التعليم والبحث: يعتمد الطلاب والباحثون على الإنترنت للوصول إلى المعلومات والموارد التعليمية.
- الخدمات الحكومية: تقدم العديد من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، مما يجعلها غير متاحة للمواطنين في حالة انقطاع الإنترنت.
المقارنة التاريخية: تكرار الانقطاعات في إيران
ليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها إيران انقطاعاً واسع النطاق للإنترنت. في السنوات الأخيرة، شهدت البلاد عدة انقطاعات مماثلة، غالباً ما تزامنت مع الاحتجاجات الشعبية أو التوترات السياسية.
في عام 2019، شهدت إيران انقطاعاً شبه كاملاً للإنترنت استمر لعدة أيام، في أعقاب الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود. وفي عام 2022، تكررت الانقطاعات خلال الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني.
تثير هذه التكرارات تساؤلات حول سياسة الحكومة الإيرانية تجاه الإنترنت، وما إذا كانت تستخدمه كأداة للسيطرة على المعلومات وقمع المعارضة.
الأدوات والتقنيات المستخدمة في مراقبة الإنترنت
تعتمد شركات مراقبة الإنترنت مثل "NetBlocks" و "IODA" على مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات لتتبع الوصول إلى الإنترنت. وتشمل هذه الأدوات:
- مراقبة حركة المرور: تحليل بيانات حركة المرور على الإنترنت لتحديد التغيرات في مستويات الاتصال.
- تحليل DNS: تتبع عمليات البحث عن أسماء النطاقات (DNS) لتحديد ما إذا كان الوصول إلى مواقع الويب والخدمات قد تم حظره.
- اختبارات الاتصال: إجراء اختبارات اتصال منتظمة للتحقق من إمكانية الوصول إلى أجزاء مختلفة من الإنترنت.
- تحليل BGP: مراقبة بروتوكول بوابة الحدود (BGP) لتحديد التغييرات في مسارات الإنترنت والشبكات المعلنة.
تتيح هذه الأدوات لشركات مراقبة الإنترنت تقديم تقييمات دقيقة حول حالة الإنترنت في أي بلد، وتحديد الانقطاعات والقيود المفروضة على الوصول.
التحديات التي تواجه مراقبة الإنترنت في إيران
تواجه شركات مراقبة الإنترنت العديد من التحديات في مراقبة الإنترنت في إيران، بما في ذلك:
- الرقابة الحكومية: تفرض الحكومة الإيرانية رقابة صارمة على الإنترنت، مما يجعل من الصعب على الشركات الوصول إلى البيانات والمعلومات.
- القيود على الوصول: قد تمنع الحكومة الشركات من الوصول إلى بعض المواقع والخدمات.
- التعتيم الإعلامي: قد تفرض الحكومة قيوداً على تغطية وسائل الإعلام المحلية لانقطاعات الإنترنت، مما يجعل من الصعب الحصول على معلومات دقيقة.
- التعقيد التقني: قد تستخدم الحكومة تقنيات معقدة للتحكم في الإنترنت، مما يجعل من الصعب على الشركات تحديد الانقطاعات والقيود.
مستقبل الإنترنت في إيران: توقعات وتحديات
يبدو أن مستقبل الإنترنت في إيران غير مؤكد في الوقت الحالي. إذا استمر الصراع مع إسرائيل، فمن المرجح أن تزداد التوترات السيبرانية، مما قد يؤدي إلى المزيد من الانقطاعات والقيود على الوصول إلى الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك، قد تستمر الحكومة الإيرانية في استخدام الإنترنت كأداة للسيطرة على المعلومات وقمع المعارضة. ومع ذلك، من المرجح أن يستمر الإيرانيون في البحث عن طرق للوصول إلى الإنترنت وتجاوز القيود المفروضة عليهم.
الخلاصة
يمثل انهيار الإنترنت في إيران تطوراً مقلقاً، ويسلط الضوء على التوترات المتزايدة في المنطقة. بينما لا تزال الأسباب الدقيقة وراء هذا الانهيار غير واضحة، فمن الواضح أن له تأثيرات كبيرة على المجتمع الإيراني. يجب على المجتمع الدولي أن يراقب الوضع عن كثب، وأن يدعو إلى احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الوصول إلى الإنترنت.