بي بي سي تُحذّر بيربلكسيتي: سرقة محتوى!

بي بي سي تُهدد بيربلكسيتي باتخاذ إجراء قانوني: معركة محتدمة حول حقوق الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي
أثارت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) جدلاً واسعاً في عالم التكنولوجيا بتصعيدها ضد شركة بيربلكسيتي (Perplexity AI)، محرك البحث القائم على تقنيات الذكاء الاصطناعي. ففي خطوة غير مسبوقة، هددت بي بي سي باتخاذ إجراء قانوني ضد بيربلكسيتي، متهمة إياها باستخدام محتواها دون إذن لتدريب نماذجها اللغوية الضخمة. وتُعتبر هذه القضية نقطة تحول في النقاش الدائر حول حقوق الملكية الفكرية في ظل الانتشار السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
تفاصيل الاتهامات و رد بيربلكسيتي
أرسلت بي بي سي رسالة رسمية إلى أرافيند سرينيفاس، رئيس بيربلكسيتي، اطلعت عليها صحيفة فاينانشال تايمز، تُفيد فيها بامتلاكها أدلة دامغة على استخدام بيربلكسيتي لمحتوى بي بي سي لتدريب "نموذجها الافتراضي للذكاء الاصطناعي". لم تتوقف بي بي سي عند هذا الحد، بل هددت باتخاذ إجراء قضائي ما لم تتوقف الشركة عن استخدام محتوى بي بي سي فوراً، بالإضافة إلى حذف أي نسخ محفوظة منه، وعرض "مقترح تعويض مالي" عن الانتهاكات السابقة لحقوق الملكية الفكرية.
في المقابل، وصفت بيربلكسيتي اتهامات بي بي سي بأنها "مُضللة وانتهازية"، مُشيرةً إلى وجود "سوء فهم جوهري" من قبل بي بي سي لتكنولوجيا الإنترنت وقانون الملكية الفكرية. وذكرت الشركة أن هذه الاتهامات تُظهر مدى استعداد بي بي سي للذهاب إلى أبعد الحدود للحفاظ على ما تعتبره "احتكار غير قانوني" لغوغل. ومن الجدير بالذكر أن بيربلكسيتي لا تُطور نماذجها اللغوية الأساسية بنفسها، بل تعتمد على نماذج مُطورة من قبل شركات أخرى مثل OpenAI، جوجل، و Anthropic، مع التركيز على تحسين دقة النتائج وتقليل "الهلوسات" (النتائج الخاطئة). وقد استندت الشركة في تطوير نموذجها الداخلي على نموذج "لاما" من ميتا، مع إجراء تعديلات جوهرية عليه.
بي بي سي والبحث عن مصادر دخل جديدة
تُعد بي بي سي هيئة تمويلها من القطاع العام في المملكة المتحدة، مما يجعلها عرضة للضغوط المالية. ويُعتبر إبرام صفقات ترخيص محتوى مع شركات الذكاء الاصطناعي مصدر دخل محتمل في وقت تسعى فيه بي بي سي لتقليل التكاليف، خاصةً مع مفاوضات تجديد ميثاقها لمدة عشر سنوات. وقد أجرت بي بي سي بالفعل محادثات مع شركات تكنولوجيا كبرى مثل أمازون حول استخدام محتواها في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ومن المثير للاهتمام أن جيف بيزوس، مؤسس أمازون، يُعد أحد مستثمري بيربلكسيتي، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد لهذه المعركة القانونية.
أكثر من مجرد انتهاك لحقوق الملكية الفكرية
تتجاوز اتهامات بي بي سي مجرد انتهاك لحقوق الملكية الفكرية. فقد أشارت بي بي سي إلى إعادة إنتاج أجزاء من محتواها حرفياً بواسطة بيربلكسيتي، مع ظهور روابط لموقع بي بي سي الإلكتروني في نتائج البحث، بما في ذلك محتوى حديث لم يُنشر إلا مؤخراً. كما أشارت إلى أن أداة بيربلكسيتي تُنافس خدمات بي بي سي مباشرة، مما يُقلل من حاجة المستخدمين للوصول إلى خدمات بي بي سي.
يُثير هذا الأمر قلقاً خاصاً لدى المسؤولين التنفيذيين في بي بي سي بشأن إساءة استخدام محتواها من قبل شركات الذكاء الاصطناعي، مما قد يُضر بسمعتها كمصدر للصحافة المحايدة والنزيهة. وقد أظهرت دراسة داخلية أجرتها بي بي سي في ديسمبر الماضي أن 17% من نتائج بحث بيربلكسيتي تضمنت "مشاكل جوهرية" في عرض محتوى بي بي سي، بما في ذلك عدم دقة الحقائق، و الإسناد الخاطئ، وغياب السياق.
بيربلكسيتي ومواجهة قانونية مُستمرة
ليست هذه هي المعركة القانونية الأولى لبيربلكسيتي. فهي تخوض بالفعل معركة قانونية مع شركات تابعة لمجموعة نيوز كورب، بما في ذلك نيويورك بوست وول ستريت جورنال، كما تلقت سابقاً خطابات "إيقاف وكف" من منافذ إعلامية أخرى، مثل صحيفة نيويورك تايمز. وتُشير هذه الوقائع إلى نمط متكرر من النزاعات القانونية بين شركات الذكاء الاصطناعي ومؤسسات الإعلام التقليدية حول استخدام المحتوى الرقمي.
الخلاصة: معركة تُحدد مستقبل حقوق الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي
تُمثل المعركة القانونية بين بي بي سي وبيربلكسيتي لحظة فارقة في التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي. فهي تُسلط الضوء على التحديات القانونية والأخلاقية المُرتبطة باستخدام البيانات الضخمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتُثير أسئلة جوهرية حول حقوق الملكية الفكرية، وحماية المحتوى الرقمي، ومسؤولية شركات التكنولوجيا عن استخدام البيانات. وستكون نتائج هذه القضية بمثابة سابقة قانونية مهمة، ستُؤثر بشكل كبير على طريقة تفاعل شركات الذكاء الاصطناعي مع مؤسسات الإعلام ومُنشئي المحتوى في المستقبل. كما ستُحدد الآليات والتشريعات اللازمة لضمان استخدام المحتوى الرقمي بشكل أخلاقي وقانوني في عصر الذكاء الاصطناعي.