تجري Palmpay fintech الأفريقي المربح محادثات لجمع ما يصل إلى 100 مليون دولار

"بالم باي": عملاق الفينتك الأفريقي يتأهب لجولة تمويل ضخمة ويعزز ريادته في الشمول المالي
شهدت القارة الأفريقية في السنوات الأخيرة تحولاً رقمياً غير مسبوق، مدفوعاً بانتشار الهواتف الذكية وتزايد الحاجة إلى حلول مالية مبتكرة وشاملة. في قلب هذا التحول، برزت شركات التكنولوجيا المالية (الفينتك) كقوة دافعة، تسعى لسد الفجوة بين الخدمات المصرفية التقليدية والاحتياجات المتنامية للملايين من الأفراد والشركات الصغيرة التي ظلت لفترة طويلة خارج نطاق الخدمات المصرفية. وفي هذا السياق، تتجه الأنظار اليوم نحو "بالم باي" (PalmPay)، إحدى أبرز شركات البنوك الرقمية الأفريقية، التي تجري محادثات لجمع ما يصل إلى 100 مليون دولار في جولة تمويل من الفئة "ب" (Series B)، في خطوة تؤكد مكانتها المتنامية وقدرتها على تحقيق الربحية في سوق شديد التنافسية.
تُعد هذه الجولة التمويلية المرتقبة، والتي تتراوح قيمتها بين 50 مليون دولار و100 مليون دولار، علامة فارقة في مسيرة "بالم باي" التي تأسست قبل ست سنوات. ففي الوقت الذي لا يزال فيه تحديد القيمة السوقية المستهدفة غير واضح، إلا أن جولة التمويل الأخيرة للشركة في عام 2021 وضعتها ضمن الشركات الناشئة الأكثر قيمة في القارة، مقتربة بذلك من لقب "اليونيكورن" (Unicorn) الذي يُطلق على الشركات التي تتجاوز قيمتها مليار دولار أمريكي. ورغم تحفظ "بالم باي" عن التعليق على تفاصيل التمويل، فقد أكد متحدث باسم الشركة أنها "في وضع مالي قوي وتستكشف فرص النمو"، وهو تصريح يعكس الثقة في مسارها المستقبلي.
جولة تمويل الفئة "ب": دفعة قوية للنمو والتوسع
تأتي هذه الجولة التمويلية في وقت حاسم بالنسبة لـ "بالم باي"، التي نجحت بالفعل في جمع ما يقرب من 140 مليون دولار عبر جولتيها التمويلية الأولية (Seed) والفئة "أ" (Series A). الأهم من ذلك، ووفقاً لمصادر مطلعة على الشؤون المالية للشركة، فإن "بالم باي" قد أصبحت الآن شركة مربحة، وهو إنجاز نادر ومثير للإعجاب في قطاع الفينتك الذي غالباً ما يشهد سنوات من الخسائر قبل تحقيق الأرباح. هذا التحول نحو الربحية يمنح "بالم باي" ميزة تنافسية كبيرة ويجعلها وجهة جذابة للمستثمرين الباحثين عن نماذج أعمال مستدامة وذات عائد على الاستثمار.
من المتوقع أن يشمل رأس المال الجديد كلاً من الأسهم والديون، وسيُستخدم لدعم خطط "بالم باي" الطموحة للتوسع. تشمل هذه الخطط تعميق بصمتها في نيجيريا، أكبر سوق لها وأكثر الدول الأفريقية اكتظاظاً بالسكان، وتوسيع عروضها الجديدة الموجهة للأعمال التجارية، بالإضافة إلى طرح منتجاتها في أسواق جديدة عبر أفريقيا وآسيا. هذا التوسع الجغرافي والتركيز على قطاعات أعمال جديدة يعكس استراتيجية الشركة الشاملة للاستفادة من الفرص الهائلة في الأسواق الناشئة.
قصة نجاح "بالم باي": من تحديات السوق إلى ريادة الشمول المالي
تأسست "بالم باي" في عام 2019، وبدأت عملياتها في نيجيريا، التي تُعد مركزاً رئيسياً للابتكار في مجال التكنولوجيا المالية في أفريقيا. في ذلك الوقت، كان أكثر من نصف البالغين في البلاد غير متعاملين مع البنوك (unbanked)، وكانت البنوك التقليدية تخدم بشكل أساسي العملاء ذوي الرواتب الثابتة أو العاملين في القطاع الرسمي، وغالباً ما كانت متطلباتها تستبعد شريحة واسعة من المستخدمين في السوق الشامل والاقتصاد غير الرسمي.
أدركت "بالم باي" هذه الفجوة الهائلة في السوق، ورأت فرصة لقلب النموذج التقليدي رأساً على عقب. كان الهدف هو بناء بنك رقمي من الصفر، ولكن مع تحسينه ليتناسب مع واقع الاقتصاد غير الرسمي في أفريقيا. أطلقت الشركة تطبيقاً يتميز بعملية فتح حساب فورية، ورسوم تحويل صفرية، ومجموعة متنامية من الخدمات المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات المستهلكين الذين يعانون من نقص الخدمات المصرفية والشركات الصغيرة. تشمل هذه الخدمات الائتمان (القروض الصغيرة)، والادخار، والتأمين، ودفع الفواتير، مما يوفر حزمة مالية متكاملة وسهلة الوصول.
نموذج "بالم باي" الهجين: جسر بين العالم الرقمي والواقع المادي
لم تعتمد "بالم باي" على الاستحواذ الرقمي وحده، وهو ما يُعد نقطة قوة حاسمة في الأسواق الأفريقية التي لا يزال الاعتماد فيها على النقد كبيراً، وقد تفتقر بعض المناطق إلى البنية التحتية الرقمية الكاملة أو الوصول إلى الإنترنت بشكل مستمر. بدلاً من ذلك، قامت الشركة ببناء شبكة أرضية واسعة تضم أكثر من مليون شركة صغيرة وتاجر وكيل. يخدم هؤلاء الوكلاء الآن أكثر من 10 ملايين عميل شهرياً من خلال تطبيق "PalmPay Business" وأجهزة نقاط البيع (POS) لخدمات الإيداع النقدي والسحب النقدي.
يُعرف هذا النموذج بـ "النموذج الهجين" (Hybrid Model)، وهو يجمع بين سهولة الوصول الرقمي وضرورة نقاط الاتصال المادية. وقد تبنت شركات التكنولوجيا المالية الكبرى الأخرى في نيجيريا، مثل "أو باي" (OPay) و"موني بوينت" (Moniepoint) و"باغا" (Paga)، هذا النموذج أيضاً، مما يؤكد فعاليته في السوق الأفريقية. إن وجود شبكة وكلاء قوية يسمح لـ "بالم باي" بالوصول إلى العملاء في المناطق الريفية وشبه الحضرية، حيث قد لا تتوفر فروع البنوك التقليدية، ويسهل عليهم إجراء المعاملات النقدية التي لا تزال جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
تدعي "بالم باي" أنها تعالج عدداً من المعاملات يفوق أي بنك تقليدي في نيجيريا، وهو إنجاز هائل يعكس حجم انتشارها وقبولها في السوق. وتفيد الشركة أن 25% من مستخدميها يعتبرون حساب "بالم باي" أول حساب مالي لهم على الإطلاق. أما بالنسبة لمنتجات الائتمان، التي تُقدم بالشراكة مع مقرضين مرخصين، فإن هذا العدد يقفز إلى 60% بين المقترضين، مما يسلط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الشركة في توفير الوصول إلى الائتمان لشريحة واسعة من السكان الذين كانوا محرومين منه سابقاً.
الشراكة الاستراتيجية مع "ترانشين": مفتاح الانتشار والوصول
يُعزى جزء كبير من ميزة "بالم باي" القوية في التوزيع والتسويق إلى شراكتها الاستراتيجية مع "ترانشين" (Transsion)، شركة تصنيع الهواتف الصينية التي تهيمن على مبيعات الهواتف الذكية في أفريقيا. تمتلك "ترانشين" حصة سوقية تزيد عن 40% عبر علاماتها التجارية الشهيرة مثل "تكنو" (Tecno) و"إنفينيكس" (Infinix). من خلال هذه الشراكة، تقوم "بالم باي" بتثبيت تطبيقها مسبقاً على مجموعة مختارة من الهواتف الذكية التي يتم تمويلها، مما يساعد في دفع عملية اكتساب المستخدمين وتعزيز تفاعلهم مع المنصة.
هذه الشراكة الذكية تخلق نظاماً بيئياً متكاملاً، حيث يصبح الهاتف الذكي ليس مجرد أداة اتصال، بل بوابة للخدمات المالية. فمع كل هاتف يتم بيعه أو تمويله، تكتسب "بالم باي" مستخدماً محتملاً، مما يقلل من تكاليف التسويق والاستحواذ التقليدية. ورغم أن "ترانشين"، التي قادت جولة التمويل الأولية لـ "بالم باي"، لا تزال شريكاً استراتيجياً، فقد أكد متحدث باسم الشركة أن "بالم باي" تستكشف بنشاط التعاون مع المزيد من مصنعي المعدات الأصلية (OEMs) لتوسيع نطاق وصولها.
آفاق التوسع: من نيجيريا إلى آسيا والقارة الأفريقية
بعد أن رسخت مكانتها كواحدة من تطبيقات الفينتك الأكثر استخداماً في نيجيريا، تستعد "بالم باي" الآن لتكرار نموذجها الناجح في أسواق جديدة خارج حدود نيجيريا. وقد توسعت منصة البنوك الرقمية بالفعل إلى تنزانيا وبنغلاديش، حيث تمثل بنغلاديش أول توغل لها خارج القارة الأفريقية. في هذه الأسواق الجديدة، تدخل "بالم باي" بتمويل الأجهزة والائتمان الاستهلاكي كنقاط دخول أولية، قبل إضافة المزيد من الخدمات تدريجياً.
تُظهر هذه الخطوة رؤية "بالم باي" العالمية، حيث تستهدف أسواقاً ناشئة ذات خصائص ديموغرافية واقتصادية مماثلة لتلك الموجودة في نيجيريا، مثل ارتفاع عدد السكان غير المتعاملين مع البنوك والاعتماد المتزايد على الهواتف المحمولة. وقد سبقت شركات بنوك رقمية أفريقية أخرى، مثل "فير موني" (FairMoney) و"إم إن تي حلاّن" (MNT-Halan) و"تايم بانك" (TymeBank)، في توسيع خدماتها المالية إلى آسيا بدرجات متفاوتة من النجاح، مما يشير إلى وجود فرصة حقيقية لهذه النماذج في أسواق خارج القارة. كما تخطط الشركة أيضاً لتقديم خدمات تمويل الأجهزة في نيجيريا، وفقاً لما أكده متحدثها، مما يعزز من عروضها في سوقها الأساسي.
تحليل معمق: لماذا "بالم باي" قصة نجاح في الفينتك الأفريقي؟
نجاح "بالم باي" ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لعدة عوامل استراتيجية:
فهم عميق لاحتياجات السوق: بدلاً من محاولة فرض نموذج مصرفي غربي، صممت "بالم باي" خدماتها لتناسب واقع الاقتصاد غير الرسمي، مع التركيز على سهولة الاستخدام، والوصول، والتكلفة المنخفضة. هذا الفهم الدقيق لاحتياجات "العميل العادي" في أفريقيا هو حجر الزاوية في نجاحها.
نموذج العمل الهجين: دمج القنوات الرقمية مع شبكة الوكلاء المادية كان قراراً حاسماً. ففي حين أن الهواتف الذكية منتشرة، إلا أن الثقة في المعاملات الرقمية قد لا تكون كاملة لدى الجميع، ولا يزال النقد هو الملك في كثير من المعاملات اليومية. توفير نقاط سحب وإيداع نقدية قريبة وموثوقة يبني الثقة ويسهل الانتقال نحو الرقمنة.
الشراكات الاستراتيجية القوية: شراكة "ترانشين" منحت "بالم باي" قناة توزيع لا مثيل لها، مما قلل من تكاليف الاستحواذ على العملاء بشكل كبير. هذه الشراكات مع الشركات الرائدة في قطاعات أخرى (مثل تصنيع الهواتف) هي مفتاح للنمو السريع في الأسواق الناشئة.
التركيز على الشمول المالي: من خلال توفير حسابات مصرفية أولى ومنتجات ائتمانية للأفراد والشركات الصغيرة الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية، لا تحقق "بالم باي" أرباحاً فحسب، بل تساهم أيضاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يعزز من جاذبيتها كشركة ذات تأثير.
الربحية: تحقيق الربحية في هذه المرحلة المبكرة نسبياً من عمر الشركة (6 سنوات) هو شهادة على كفاءة نموذج أعمالها وقدرتها على إدارة التكاليف وتحقيق إيرادات مستدامة. هذا يضعها في مكانة قوية لجذب المزيد من الاستثمارات ويدل على نضج السوق الأفريقية.
لقد شهدت إيرادات "بالم باي" ارتفاعاً كبيراً، حيث بلغت 64 مليون دولار في عام 2023، وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز، وقد تضاعفت هذه الإيرادات منذ ذلك الحين، بحسب مصادر مطلعة على الشؤون المالية للشركة. هذا النمو السريع في الإيرادات، إلى جانب تحقيق الربحية، يرسخ مكانة "بالم باي" كلاعب رئيسي في مشهد الفينتك الأفريقي المتطور.
الخاتمة
تُعد جولة التمويل المرتقبة لـ "بالم باي" دليلاً واضحاً على الثقة المتزايدة للمستثمرين العالميين في إمكانات قطاع التكنولوجيا المالية في أفريقيا. فبينما تواجه العديد من الشركات الناشئة تحديات في بيئة التمويل الحالية، فإن قدرة "بالم باي" على تحقيق الربحية وتوسيع قاعدة مستخدميها بشكل كبير، مدعومة بنموذج عمل فريد وشراكات استراتيجية، يضعها في مسار تصاعدي واعد.
إن رحلة "بالم باي" من مجرد فكرة إلى عملاق فينتك يخدم عشرات الملايين من المستخدمين هي قصة ملهمة تعكس مرونة وابتكار رواد الأعمال الأفارقة. ومع رأس المال الجديد، تستعد الشركة ليس فقط لتعميق جذورها في نيجيريا وتوسيع نطاق أعمالها، بل أيضاً لتكرار نجاحها في أسواق جديدة عبر القارة الأفريقية وحتى في آسيا، مما يؤكد دورها المتزايد في دفع عجلة الشمول المالي وتمكين الملايين من الأفراد والشركات الصغيرة من الوصول إلى الخدمات المالية الحيوية. "بالم باي" ليست مجرد شركة ناشئة، بل هي نموذج للتحول الرقمي الذي يغير وجه الخدمات المالية في الأسواق الناشئة.