تحليل تقني لتطور أنظمة التشغيل في هواتف سامسونج من TouchWiz إلى One UI

بدأت رحلة سامسونج في تطوير واجهات المستخدم الخاصة بها على نظام أندرويد منذ وقت مبكر، حيث سعت لتقديم تجربة مميزة تختلف عن واجهة أندرويد الخام. كانت البداية مع واجهة TouchWiz التي أصبحت علامة فارقة لهواتف Galaxy على مدى سنوات طويلة. هذه الواجهة شهدت تحسينات وتغييرات عديدة، لكنها أيضاً واجهت انتقادات واسعة قبل أن يتم التخلي عنها تدريجياً لصالح واجهة جديدة كلياً.
عصر TouchWiz: البدايات والتطورات
ظهرت واجهة TouchWiz لأول مرة في عام 2008 على هواتف غير عاملة بنظام أندرويد، لكنها اكتسبت شهرتها الحقيقية مع إطلاق هواتف Galaxy S الأولى العاملة بنظام جوجل. في تلك الفترة، كانت شركات تصنيع الهواتف تسعى جاهدة لتمييز منتجاتها من خلال تعديل واجهة نظام أندرويد، وكانت سامسونج في طليعة هذه الشركات. قدمت TouchWiz مجموعة من الميزات الإضافية والتعديلات البصرية التي كانت غائبة عن أندرويد الخام آنذاك.
تطورت TouchWiz عبر أجيال هواتف Galaxy S والنوت. في بداياتها، كانت تقدم أيقونات ملونة وتأثيرات بصرية ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى تطبيقات سامسونج الخاصة التي كانت تعتبر ميزة تنافسية. شملت هذه التطبيقات متجر تطبيقات سامسونج، ومشغل الموسيقى والفيديو الخاص بها، وتطبيقات إدارة الملفات والمهام. كان الهدف هو بناء نظام بيئي متكامل داخل هواتف سامسونج.
انتقادات واجهة TouchWiz
على الرغم من الميزات الإضافية التي قدمتها، واجهت TouchWiz انتقادات متزايدة بمرور الوقت. كان أحد أبرز هذه الانتقادات هو ما يُعرف بـ "البرامج المثبتة مسبقاً" (Bloatware)، وهي مجموعة كبيرة من التطبيقات التي كانت سامسونج تثبتها على الهاتف بشكل افتراضي، وكثيراً ما كان المستخدمون لا يحتاجونها أو لا يمكنهم إزالتها بسهولة. هذا الأمر كان يستهلك مساحة التخزين ويؤثر على أداء الجهاز.
كما عانت واجهة TouchWiz في بعض إصداراتها من مشكلات في الأداء والسلاسة. كانت الواجهة تبدو أحياناً ثقيلة وبطيئة مقارنة بتجربة أندرويد الخام أو واجهات أخرى أقل تعديلاً. كان الانتقال بين الشاشات وفتح التطبيقات يعاني من تأخير ملحوظ في بعض الأحيان، مما أثر على تجربة المستخدم اليومية. التصميم أيضاً لم يكن دائماً يحظى بالإعجاب، حيث وصفه البعض بأنه مزدحم وغير متناسق.
المرحلة الانتقالية: Samsung Experience
مع تزايد الانتقادات وتحسن واجهات المنافسين، بدأت سامسونج في إجراء تغييرات تدريجية على واجهتها. في عام 2016، ومع إطلاق هاتف Galaxy Note 7 (وقبل سحبه من الأسواق)، قدمت سامسونج إصداراً معدلاً من TouchWiz عرف لاحقاً باسم "Grace UX". كانت هذه الواجهة بمثابة خطوة أولى نحو التبسيط والتحسين.
بعد ذلك، ومع إطلاق هواتف Galaxy S8 في عام 2017، أعادت سامسونج تسمية واجهتها رسمياً إلى "Samsung Experience". لم يكن هذا مجرد تغيير في الاسم، بل صاحبه تبسيط أكبر في التصميم، وتقليل ملحوظ في البرامج المثبتة مسبقاً، وتحسينات في الأداء. كانت Samsung Experience بمثابة جسر بين TouchWiz القديمة والواجهة الجديدة كلياً التي كانت سامسونج تخطط لها. ركزت هذه الواجهة على جعل تجربة المستخدم أكثر سلاسة وأناقة، مع الاحتفاظ ببعض ميزات سامسونج الفريدة.
ولادة One UI: فلسفة جديدة للتصميم
في أواخر عام 2018، أعلنت سامسونج عن واجهة مستخدم جديدة كلياً تحت اسم "One UI" مع إطلاقها لأول مرة على هواتف Galaxy S9 والنوت 9 (كجزء من تحديث أندرويد باي). لم تكن One UI مجرد تحديث لواجهة سابقة، بل كانت إعادة تفكير شاملة في كيفية تفاعل المستخدمين مع هواتفهم الذكية، خصوصاً مع تزايد أحجام الشاشات.
الفلسفة الأساسية وراء One UI كانت ترتكز على "التركيز على ما يهم" و"جعل التفاعل بيد واحدة سهلاً". لاحظت سامسونج أن الهواتف أصبحت أكبر حجماً، مما يجعل الوصول إلى العناصر الموجودة في الجزء العلوي من الشاشة أمراً صعباً بيد واحدة. لذا، قامت One UI بتقسيم الشاشة إلى منطقتين رئيسيتين: منطقة العرض في الأعلى حيث يرى المستخدم المعلومات، ومنطقة التفاعل في الأسفل حيث يمكنه الوصول إلى الأزرار وعناصر التحكم بسهولة بإبهامه.
المبادئ الأساسية والتصميم في One UI
تبنت One UI لغة تصميم أكثر حداثة ونظافة مقارنة بسابقاتها. تم تبسيط الأيقونات، وتوحيد الخطوط والألوان، واستخدام مسافات بيضاء أكبر لتقليل الشعور بالازدحام. كان التركيز على جعل الواجهة مريحة للعين وسهلة الاستخدام لفترات طويلة.
التركيز على الراحة وسهولة الوصول
أحد أبرز مظاهر فلسفة One UI هو إعادة ترتيب عناصر الواجهة في تطبيقات سامسونج الأساسية. على سبيل المثال، في تطبيق الإعدادات أو الرسائل أو الهاتف، تم نقل الأزرار الهامة وعناصر التحكم إلى النصف السفلي من الشاشة. عند التمرير، تتحول منطقة العرض في الأعلى لتصبح جزءاً من منطقة التفاعل، مما يسمح بعرض المزيد من المحتوى. هذا التصميم يسهل جداً استخدام الهواتف الكبيرة بيد واحدة.
الوضع الليلي المحسن
قدمت One UI وضعاً ليلياً شاملاً ومدمجاً بعمق في النظام. على عكس مجرد عكس الألوان، يقوم الوضع الليلي في One UI بتطبيق سمة داكنة متناسقة على جميع عناصر الواجهة وتطبيقات سامسونج الأساسية، وحتى بعض تطبيقات الطرف الثالث التي تدعم واجهات برمجة التطبيقات المناسبة. هذا لا يقلل فقط من إجهاد العين في الإضاءة المنخفضة، بل يوفر أيضاً في استهلاك البطارية على شاشات AMOLED حيث يتم إيقاف تشغيل البيكسلات السوداء تماماً.
تبسيط الإعدادات والإشعارات
تم إعادة تنظيم قائمة الإعدادات في One UI لتكون أكثر منطقية وأقل تعقيداً. تم تجميع الخيارات ذات الصلة معاً، وتم تقليل عدد المستويات الفرعية في القوائم. كما تم تحسين لوحة الإشعارات والإعدادات السريعة لتكون أكثر وضوحاً وسهولة في الاستخدام، مع إمكانية تخصيص الأيقونات وترتيبها بسهولة أكبر.
تحسين الأداء وتجربة المستخدم
على عكس TouchWiz التي كانت تعاني أحياناً من مشكلات في الأداء، ركزت سامسونج في One UI على تحسين السلاسة والاستجابة. تم إجراء تحسينات كبيرة تحت الغطاء على إدارة الذاكرة، وجدولة المهام، وتسريع الرسوم المتحركة. كانت النتيجة تجربة مستخدم أسرع وأكثر سلاسة، حتى على الأجهزة ذات المواصفات المتوسطة.
قللت سامسونج أيضاً من البرامج المثبتة مسبقاً مقارنة بعصر TouchWiz، وأتاحت للمستخدمين خيارات أكبر لإزالة أو تعطيل التطبيقات التي لا يحتاجونها. هذا الأمر ساهم في تحسين الأداء وتوفير مساحة التخزين.
تطورات One UI عبر الإصدارات
لم تتوقف سامسونج عند الإصدار الأول من One UI، بل واصلت تطويرها وتحسينها مع كل تحديث رئيسي لنظام أندرويد. كل إصدار جديد من One UI (مثل One UI 2.0، 3.0، 4.0، 5.0، وصولاً إلى 6.0 والإصدارات الأحدث) يجلب معه ميزات جديدة، تحسينات في الأداء، وتعديلات على التصميم بناءً على ملاحظات المستخدمين وتطورات نظام أندرويد الأساسي.
One UI 2.0 و 3.0: التركيز على أندرويد الأساسي
جلبت إصدارات مثل One UI 2.0 و 3.0 العديد من الميزات التي قدمتها جوجل في إصدارات أندرويد المقابلة (أندرويد 10 و 11)، مع إضافة لمسات سامسونج الخاصة. تحسينات على الأذونات، فقاعات المحادثة، تسجيل الشاشة المدمج، وتحسينات على واجهة المستخدم في مناطق مثل شاشة القفل والإشعارات كانت جزءاً من هذه التحديثات. كما تم تحسين تكامل وضع DeX لتجربة سطح المكتب.
One UI 4.0 و 5.0: التخصيص والإنتاجية
مع One UI 4.0 (مبني على أندرويد 12)، ركزت سامسونج بشكل كبير على خيارات التخصيص، مستفيدة من ميزة "Material You" في أندرويد لتغيير ألوان الواجهة بناءً على خلفية الشاشة. كما تم تعزيز ميزات الخصوصية والأمان. One UI 5.0 (مبني على أندرويد 13) جلب تحسينات إضافية على الإنتاجية، مثل مكدسات الأدوات القابلة للتكديس على الشاشة الرئيسية وتحسينات على الإشعارات والرسوم المتحركة.
One UI 6.0 والإصدارات الأحدث: الصقل والتكامل
الإصدارات الأحدث مثل One UI 6.0 (مبني على أندرويد 14) تواصل مسار التحسين والصقل. تم إعادة تصميم لوحة الإعدادات السريعة لتكون أكثر كفاءة، وتحسينات على تطبيق الكاميرا، وخط جديد افتراضي، والمزيد من خيارات التخصيص. كما تركز سامسونج بشكل متزايد على تكامل الذكاء الاصطناعي وميزات الاتصال بين الأجهزة ضمن نظامها البيئي، والتي يتم دمجها بسلاسة داخل واجهة One UI.
التكامل مع النظام البيئي لسامسونج
لم تعد واجهة One UI مجرد واجهة لهاتف ذكي، بل أصبحت العمود الفقري لتجربة سامسونج المتكاملة عبر مختلف الأجهزة. تم تصميم One UI لتوفير تجربة متناسقة وسلسة ليس فقط على الهواتف، بل أيضاً على الأجهزة اللوحية، الساعات الذكية (مع الانتقال إلى Wear OS Powered by Samsung)، وحتى أجهزة الكمبيوتر المحمولة من خلال ميزات مثل "المتابعة على أجهزة أخرى" ومزامنة الحافظة والإشعارات. هذا التكامل يعزز من قيمة واجهة One UI كنظام تشغيل موحد لأجهزة سامسونج.
استقبال المستخدمين والمستقبل
حظيت واجهة One UI باستقبال إيجابي للغاية من قبل المستخدمين والنقاد على حد سواء. لقد نجحت في التغلب على الكثير من الانتقادات التي واجهتها TouchWiz، وقدمت تجربة مستخدم مريحة، سريعة، وقابلة للتخصيص. أصبحت One UI تعتبر الآن واحدة من أفضل واجهات أندرويد المعدلة المتوفرة.
تواصل سامسونج الاستثمار بكثافة في تطوير One UI، مع التركيز على تحسين الأداء، إضافة ميزات جديدة، وتعزيز التكامل بين الأجهزة. مع تزايد أهمية الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن نرى المزيد من الميزات الذكية تدمج بعمق في الواجهة في الإصدارات المستقبلية. يبدو أن سامسونج وجدت صيغتها الناجحة مع One UI، وستستمر في بناء عليها لتقديم تجربة متفوقة لمستخدميها.
الخاتمة
شكل الانتقال من واجهة TouchWiz إلى One UI تحولاً جذرياً في استراتيجية سامسونج لتصميم واجهات المستخدم على هواتفها الذكية. من واجهة كانت تُنتقد لكونها مثقلة وبطيئة، إلى واجهة تُشاد بها لبساطتها، كفاءتها، وتركيزها على راحة المستخدم. هذا التطور لم يكن مجرد تغيير تجميلي، بل كان إعادة هندسة شاملة ترتكز على فهم أعمق لاحتياجات المستخدمين في عصر الهواتف ذات الشاشات الكبيرة. One UI لم تحسن تجربة استخدام هواتف سامسونج فحسب، بل عززت أيضاً مكانة الشركة كشركة رائدة في مجال الأجهزة المحمولة، وقدمت نموذجاً لواجهة مستخدم ناجحة تجمع بين قوة أندرويد ولمسة الشركة المصنعة الفريدة.