تضع Google رهانًا آخر في مجال الاندماج على تقنيات TAE

غوغل تراهن مجدداً على تقنيات الاندماج النووي مع شركة TAE Technologies: مستقبل الطاقة النظيفة على المحك

مقدمة:

لا يخفى على أحد أن تطوير واستثمار تقنيات الطاقة النووية بالاندماج (Nuclear Fusion) عملية معقدة وتتطلب استثمارات ضخمة تمتد لعقود. فقد أعلنت شركة TAE Technologies هذا الأسبوع عن جمعها 150 مليون دولار أمريكي في جولة تمويل جديدة، ضمت استثمارات من داعمين حاليين مثل غوغل وشركة شيفرون وشركة نيوي انتربرايز أسوشيتس. تُعتبر هذه الجولة الثانية عشرة من جولات التمويل التي تحصل عليها الشركة منذ تأسيسها قبل حوالي 30 عاماً، مما يجعلها واحدة من أكثر شركات الاندماج النووي تمويلاً، حيث جمعت ما يقارب 1.8 مليار دولار حتى الآن، وفقاً لمنصة بيتشبوك (PitchBook). لكن ما الذي يجعل غوغل، عملاق التكنولوجيا، تراهن بهذا القدر على هذه الشركة وعلى هذه التكنولوجيا الواعدة؟ دعونا نستكشف هذا الموضوع بمزيد من التفصيل.

TAE Technologies: رحلة طويلة نحو تحقيق الاندماج النووي:

تأسست TAE Technologies، المعروفة سابقاً باسم Tri Alpha Energy، بمهمة طموحة وهي تطوير تقنية الاندماج النووي لإنتاج طاقة نظيفة وفعالة. عملت الشركة لسنوات في سرية تامة على تطوير تصميم مفاعلها، مستخدمةً في البداية تقنية تعتمد على إطلاق كرتين من البلازما على بعضهما البعض، ثم تدوير الكتلة الناتجة باستخدام حزم من الجسيمات. تُشكل هذه الكتلة من البلازما، التي تشبه سيجاراً أجوفاً، مجالها المغناطيسي الخاص بها، والذي يعمل بالتزامن مع مغناطيسات المفاعل للحفاظ على احتواء البلازما. تعتبر عملية احتواء البلازما من أهم التحديات في مجال الاندماج النووي، حيث تتطلب درجات حرارة هائلة وضغوطاً عالية جداً.

وفي أبريل الماضي، أعلنت الشركة عن إنجاز هام يتمثل في التخلي عن تقنية إطلاق كرتي البلازما. فقد تمكنت TAE من تشكيل البلازما وتسخينها واستقرارها باستخدام حزم الجسيمات فقط. هذه الخطوة الهامة تُسهل عملية تشغيل المفاعل وتُقلل من حجمه وتكلفته، مما يفتح آفاقاً جديدة أمام التجاريّة لهذه التقنية.

دور الذكاء الاصطناعي في تسريع عملية التطوير:

لم تكن مساهمة غوغل في هذا المشروع مجرد استثمار مالي، بل امتدت لتشمل التعاون التقني. فمنذ عام 2014، يعمل علماء الحاسوب في غوغل مع مهندسي TAE باستخدام تقنيات تعلم الآلة (Machine Learning) وهي أحد فروع الذكاء الاصطناعي، لإيجاد الإعدادات المثالية لجهاز الاندماج النووي. قبل استخدام الذكاء الاصطناعي، كانت عملية التحسين تستغرق شهرين، وتتطلب إجراء حوالي 1000 تجربة، كما ذكر الرئيس التنفيذي لشركة TAE، مايكل بيندرباور، في عام 2022. أما الآن، فقد قلص الذكاء الاصطناعي هذه العملية بشكل كبير، مما يُمكن إتمامها في بضع ساعات فقط. هذا التقدم الهائل يبرز أهمية دمج التكنولوجيا المتقدمة في مختلف المجالات العلمية والصناعية.

التحديات المستقبلية والطريق نحو التجاريّة:

على الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته TAE Technologies، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجهها قبل تحقيق هدفها الرئيسي وهو إنتاج طاقة الاندماج النووي تجارياً. فالمفاعل الحالي قادر على توليد بلازما مسخنة إلى 70 مليون درجة مئوية، بينما تحتاج الشركة إلى الوصول إلى مليار درجة مئوية لتشغيل جهازها التجاري. هذا يعني الحاجة إلى مزيد من التطوير والتجارب والاستثمارات قبل تحقيق هذا الهدف.

وقد أشار بيندرباور إلى سعيه لجمع 50 مليون دولار إضافية قبل إغلاق جولة التمويل الحالية في وقت لاحق من هذا الصيف. وتطمح الشركة إلى ربط مفاعلها بالشبكة الكهربائية في أوائل الثلاثينيات من القرن الحالي. وهذا هدف طموح، لكن ليس مستحيلاً بالنظر إلى التقدم المتواصل في هذا المجال.

أهمية الاندماج النووي كمصدر للطاقة المستدامة:

تُعتبر طاقة الاندماج النووي مصدراً واعداً للطاقة نظيفة ومستدامة، لأنها لا تُنتج انبعاثات غازات دفيئة، ولا تُشكل مخلفات نووية خطيرة مثل الطاقة النووية الانشطارية. وإذا تم تحقيق الاندماج النووي بنجاح، فإن ذلك سيُحدث ثورة في مجال الطاقة، ويُوفر مصدراً لا ينضب تقريباً للطاقة النظيفة للأجيال القادمة.

الاندماج النووي في العالم العربي: الفرص والتحديات:

يُمكن للتقدم في مجال الاندماج النووي أن يُحدث تأثيراً كبيراً على العالم العربي، خاصة في دول تُعاني من نقص في مصادر الطاقة التقليدية. لكن هذا يتطلب استثمارات كبيرة في البحث والتطوير، وتعاوناً دولياً وثيقاً. كما يجب أن تُولي الدول العربية اهتماماً كبيراً لتعليم العلوم والتكنولوجيا لتأهيل الكوادر البشرية القادرة على المساهمة في هذا المجال الهام.

خاتمة:

تُمثل استثمارات غوغل المتكررة في شركة TAE Technologies دليلاً على الاهتمام المتزايد بإمكانات الاندماج النووي كمصدر للطاقة المستدامة. على الرغم من التحديات الكبيرة التي لا يزال يُواجهها هذا المجال، فإن التقدم المُحرز يُبشر بمستقبل واعد للطاقة النظيفة. ويُمكن للعالم العربي، بالتعاون مع الدول المتقدمة، أن يُساهم في هذا التقدم ويُحقق فائدة كبيرة من هذه التكنولوجيا الواعدة. يُتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطورات هامة في هذا المجال، وسنكون على موعد مع ثورة حقيقية في مجال الطاقة. يبقى السؤال المُلح: هل ستُحقق TAE Technologies هدفها في توفير طاقة الاندماج النووي التجارية في أوائل الثلاثينيات؟ يبقى الوقت هو الحَكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى