تقديم Bounce ، أداة لتحريك متابعتك بين Bluesky و Mastodon

بالتأكيد، إليك مقال عربي أصلي وشامل، يتجاوز 1200 كلمة، حول أداة "باونس" ودورها في مستقبل الويب الاجتماعي اللامركزي، مع توسيع وتعميق للمحتوى الأصلي:
"باونس": الأداة الثورية التي تمكّن المستخدمين من ترحيل متابعيهم بين شبكات "بلو سكاي" و"ماستودون" اللامركزية
مقدمة: ثورة الويب الاجتماعي المفتوح والبحث عن السيادة الرقمية
في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبحت الشبكات الاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهي ساحاتنا العامة الجديدة للتعبير والتواصل وتبادل الأفكار. ومع ذلك، لطالما كانت هذه الساحات محكومة بنماذج مركزية، حيث تسيطر شركات عملاقة مثل ميتا (Meta)، سناب (Snap)، جوجل (Google)، تيك توك (TikTok)، وX (تويتر سابقاً) على بيانات المستخدمين وتجاربهم. هذا النموذج، المعروف بـ"الحدائق المغلقة" (Walled Gardens)، يقيد حرية المستخدمين في نقل هوياتهم الرقمية وعلاقاتهم الاجتماعية خارج حدود منصة معينة. فعلى الرغم من أن بعض هذه المنصات قد تسمح لك بتصدير بياناتك أو حذف حسابك، إلا أنها نادراً ما توفر القدرة على "ترحيل" حسابك ومتابعيك بسلاسة إلى تطبيق أو خدمة أخرى.
لكن، يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب بقوة من عالم الويب الاجتماعي اللامركزي، أو ما يُعرف بـ"الفيديفيرس" (Fediverse). ففي مؤتمر "فيديفورم" (FediForum) الأخير عبر الإنترنت، تم الكشف عن تطور بالغ الأهمية يعد بتحويل هذه القيود إلى فرص جديدة. أعلنت شركة "أيه نيو سوشيال" (A New Social) غير الربحية، وهي الجهة المطورة لأداة "بريدجي فيد" (Bridgy Fed) الشهيرة التي تربط الشبكات الاجتماعية اللامركزية، عن مشروعها الجديد "باونس" (Bounce). هذه الأداة الواعدة تهدف إلى تمكين المستخدمين من ترحيل متابعيهم عبر شبكات اجتماعية تعمل ببروتوكولات مختلفة، مثل "ماستودون" (Mastodon) و"بلو سكاي" (Bluesky). يمثل هذا إنجازاً كبيراً نحو جعل الويب الاجتماعي المفتوح بديلاً أكثر قابلية للتطبيق للأنظمة البيئية المغلقة التي تفرضها عمالقة التكنولوجيا.
فهم المشكلة: قيود الويب الاجتماعي التقليدي واحتكار البيانات
لطالما عانى مستخدمو الشبكات الاجتماعية المركزية من مشكلة "الاحتجاز" داخل المنصة. عندما تبني شبكة واسعة من المتابعين أو تنشئ محتوى قيماً على منصة مثل X أو فيسبوك أو إنستغرام، فإن هذه الأصول الرقمية تصبح مرتبطة بشكل وثيق بتلك المنصة. إذا قررت المغادرة لأي سبب – سواء كان ذلك بسبب تغيير في السياسات، أو تدهور في تجربة المستخدم، أو مخاوف تتعلق بالخصوصية – فإنك تواجه معضلة حقيقية: كيف يمكنك أخذ مجتمعك الرقمي معك؟
في معظم الحالات، الإجابة هي "لا يمكنك". يمكنك تنزيل أرشيف لبياناتك الشخصية، لكن هذا لا يعوض فقدان شبكة متابعيك وتفاعلاتك وتاريخك الاجتماعي. هذا الافتقار إلى "قابلية نقل الحساب" (Account Portability) يمنح المنصات المركزية قوة هائلة على مستخدميها، مما يحد من قدرتهم على اختيار المنصة التي تناسبهم حقاً دون خسارة جسيمة. هذا القيد ليس مجرد إزعاج بسيط؛ إنه يقوض مبدأ السيادة الرقمية للمستخدم، ويجعل من الصعب على المنصات الجديدة والمبتكرة المنافسة، حيث يتردد المستخدمون في الانتقال بسبب التكلفة الاجتماعية الباهظة.
الويب الاجتماعي اللامركزي: لمحة عن "الفيديفيرس" وبروتوكولاته
في المقابل، يقدم الويب الاجتماعي اللامركزي، أو "الفيديفيرس"، رؤية مختلفة تماماً. بدلاً من خادم مركزي واحد يسيطر على كل شيء، يتكون الفيديفيرس من آلاف الخوادم المستقلة (أو "النماذج" Instances)، التي يمكن لأي شخص إعدادها وإدارتها. هذه الخوادم تتواصل فيما بينها باستخدام بروتوكولات مفتوحة، مما يسمح للمستخدمين على خادم واحد بالتفاعل مع المستخدمين على خوادم أخرى. هذا النموذج يمنح المستخدمين قدراً أكبر من التحكم في بياناتهم، ويسمح لهم باختيار المجتمع الذي يريدون أن يكونوا جزءاً منه، وحتى نقل حساباتهم بين الخوادم داخل نفس البروتوكول.
من أبرز الأمثلة على ذلك:
ماستودون (Mastodon): يعمل ببروتوكول "أكتيفيتي بَب" (ActivityPub)، وهو معيار مفتوح يسمح بالاتصال بين مختلف التطبيقات والخدمات اللامركزية. يمكن لمستخدمي ماستودون، على سبيل المثال، نقل حساباتهم من خادم ماستودون إلى خادم ماستودون آخر دون فقدان متابعيهم أو منشوراتهم (ضمن قيود معينة). هذا يعني أن هويتك الرقمية لا ترتبط بخادم واحد، بل يمكنك الانتقال إذا لم تعد راضياً عن سياسات الخادم أو إدارته.
بلو سكاي (Bluesky): يعتمد على "بروتوكول AT" (AT Protocol)، وهو بروتوكول جديد يهدف أيضاً إلى اللامركزية، مع تركيز خاص على "الهوية المتنقلة" (Portable Identity) و"الأسواق المفتوحة" (Open Markets) للخدمات. يسمح بلو سكاي للمستخدمين بنقل حساباتهم وبياناتهم من خادم بيانات شخصي (PDS) إلى آخر. ومع ذلك، فإن هذه العملية لا تزال قيد التطوير، وهناك قيود حالية، مثل عدم القدرة على العودة إلى خادم بيانات بلو سكاي الشخصي الأصلي بعد الانتقال منه.
على الرغم من هذه الإمكانيات الواعدة، ظلت هناك فجوة كبيرة: لم يكن من الممكن للمستخدمين نقل حساباتهم أو الاحتفاظ بمتابعيهم عند الانتقال من شبكة تعمل ببروتوكول معين (مثل ActivityPub) إلى شبكة تعمل ببروتوكول مختلف (مثل AT Protocol). هذه هي المشكلة التي جاءت "باونس" لحلها.
"باونس" (Bounce): الجسر المنتظر بين العوالم الرقمية
تأتي أداة "باونس" كإنجاز هندسي وتقني يفتح آفاقاً جديدة للتفاعل عبر الويب الاجتماعي المفتوح. يقود تطوير هذه الأداة منظمة "أيه نيو سوشيال" غير الربحية، وهي نفس الجهة التي طورت "بريدجي فيد"، مما يمنحها أساساً قوياً من الخبرة في ربط الشبكات اللامركزية.
كيف يعمل "باونس" تحت الغطاء؟
تعتمد تقنية "باونس" على أداة "بريدجي فيد" القائمة، ولكنها تتجاوز مجرد الربط إلى إتاحة عملية "النقل" الفعلية. العملية معقدة تقنياً لأن كل منصة (ماستودون وبلو سكاي) لديها طرق مختلفة تماماً للتعامل مع عمليات الترحيل وإدارة الهوية الرقمية. لذلك، يعمل "بريدجي فيد" كوسيط أساسي، أو "رجل وسيط"، يسهل هذا الانتقال باستخدام خوادمه المخصصة التي تم بناؤها خصيصاً لأغراض الربط والنقل.
إليك شرح مبسط للعملية:
- الحساب الموصول (Bridged Account): تبدأ العملية بإنشاء "حساب موصول" على منصة "بلو سكاي" يرتبط بملفك الشخصي على "ماستودون". هذا الحساب الموصول يعمل كـ"مستمع" لمنشوراتك على ماستودون، ثم يقوم بنسخها (replicates) على بلو سكاي، مما يتيح لمتابعيك على بلو سكاي رؤية محتواك. هذا يضمن استمرارية تواجدك ومحتواك عبر الشبكتين.
- ترحيل الحساب الموصول: بمجرد إنشاء هذا الجسر وتأكيد عمله، تسمح لك "باونس" بـ"ترحيل" حسابك الأصلي على "بلو سكاي" إلى هذا الحساب الموصول.
- الدمج النهائي: الخطوة الأخيرة هي "نقل" هذا الحساب الموصول (الذي أصبح الآن يحمل هوية حسابك الأصلي على بلو سكاي ومتابعيه) إلى ملفك الشخصي الأساسي على "ماستودون".
هذه العملية المعقدة خلف الكواليس هي ما يميز "باونس" عن مجرد "ربط" المحتوى. إنها تهدف إلى نقل "الرأسمال الاجتماعي" للمستخدم – أي شبكة متابعيه – من بروتوكول إلى آخر، وهو ما لم يكن ممكناً من قبل.
الحالة الحالية والتحديات والآفاق المستقبلية
في الوقت الحالي، "باونس" هي في مرحلة "إثبات المفهوم" (proof-of-concept) وستطلق نسختها التجريبية (بيتا) خلال أسابيع قليلة. ومع ذلك، يوضح أنوج أهوجا، الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لـ"أيه نيو سوشيال"، أن الأداة في بدايتها ليست موجهة للمستخدم العادي، بل للمستخدمين الأكثر دراية بالتقنية. الهدف الأساسي من الإطلاق الأولي هو "إثبات أن هذا ممكن".
التحديات الحالية:
العودة إلى خادم بيانات بلو سكاي: أحد القيود الحالية هو عدم إمكانية العودة إلى خادم بيانات بلو سكاي الشخصي (PDS) بمجرد الانتقال منه. هذا يعود إلى أن بلو سكاي لم تطور هذه التقنية بعد.
التفاعلات خارج الجسر: إذا تفاعل شخص على بلو سكاي ليس موصولاً (غير "bridged") مع حسابك الذي تم نقله، فلن تتمكن من رؤية هذا التفاعل بمجرد انتقالك إلى جانب ماستودون. ومع ذلك، يعمل الفريق على تطوير ميزة لإعلامك بهذه التفاعلات غير الموصولة.
تنبيهات المتابعين غير الموصولين: تقوم "باونس" بتنبيهك إلى عدد الأشخاص الذين تتابعهم ولم يتم ربط حساباتهم بعد، مما يتيح لك إعادة متابعتهم إذا قاموا بالربط في المستقبل.
الرؤية المستقبلية:
يطمح فريق "باونس" إلى جعل هذه التقنية معقدة وغير مرئية للمستخدم العادي في المستقبل. الهدف هو أن يتمكن المستخدم ببساطة من اختيار التطبيق الذي يرغب في استخدامه، ثم يتبع بضع خطوات بسيطة لنقل متابعيه. هذا التبسيط هو مفتاح التبني الواسع.
بالإضافة إلى دعم "بلو سكاي" و"ماستودون" حالياً، تدعم "باونس" أيضاً "بكسلفيد" (Pixelfed)، وهو تطبيق لمشاركة الصور يعتمد على بروتوكول ActivityPub. الهدف طويل المدى هو دعم أي منصة وبروتوكول اجتماعي مفتوح، سواء كانت منصة تدوين طويلة مثل "جوست" (Ghost)، أو حتى شبكات أخرى تعمل على بروتوكولات مثل "نوستر" (Nostr) أو "فاريكاستر" (Farecaster).
يوضح أهوجا: "نحن نحاول إنشاء واجهة للويب الاجتماعي المفتوح للتعامل مع بعض هذه التحركات الأصعب التي يتعين عليك القيام بها. فإذا كنت غير راضٍ عن شيء تفعله بلو سكاي – أو حتى لو لم تكن غير راضٍ، ولكنك تشعر أن منصة على جانب ActivityPub تفعل شيئاً كنت في حاجة ماسة إليه… [يمكنك] القيام ببضع نقرات على باونس."
الأهمية الاستراتيجية لـ "باونس" في المشهد الرقمي العربي والعالمي
إن إطلاق "باونس" ليس مجرد خبر تقني عابر؛ إنه يمثل تحولاً نموذجياً في كيفية تفاعلنا مع الويب الاجتماعي، ويحمل أهمية استراتيجية بالغة، خاصة في المنطقة العربية التي تشهد نمواً هائلاً في استخدام الشبكات الاجتماعية ووعياً متزايداً بقضايا الخصوصية والسيادة الرقمية.
تمكين المستخدم والسيادة الرقمية: تمنح "باونس" المستخدمين سلطة غير مسبوقة على هوياتهم الرقمية ومجتمعاتهم عبر الإنترنت. لم يعد المستخدمون محتجزين في "أقفاص ذهبية" لعمالقة التكنولوجيا. هذه الحرية في الاختيار والانتقال تعزز مبدأ "السيادة الرقمية" (Digital Sovereignty)، حيث يمتلك الفرد بياناته وعلاقاته بدلاً من أن تكون مجرد سلعة للمنصات. هذا مهم بشكل خاص في منطقة قد تتأثر فيها الحريات الرقمية بالسياسات المحلية أو قرارات الشركات الكبرى.
تعزيز المنافسة والابتكار: عندما يكون نقل المستخدمين ومتابعيهم أمراً سهلاً، ينخفض حاجز الدخول للمنصات الجديدة. هذا يجبر المنصات القائمة على التنافس بجدية أكبر على تقديم أفضل الخدمات، والابتكار، واحترام خصوصية المستخدم، بدلاً من الاعتماد على "احتجاز" المستخدمين. سيؤدي ذلك إلى نظام بيئي اجتماعي أكثر صحة وتنوعاً، حيث يمكن للمطورين العرب والمبتكرين المحليين بناء منصات جديدة واعدة دون الخوف من عدم قدرة المستخدمين على الانضمام.
مرونة الويب الاجتماعي: تساهم "باونس" في بناء ويب اجتماعي أكثر مرونة ومقاومة. في النموذج اللامركزي، لا يوجد نقطة فشل واحدة. إذا واجه خادم معين مشكلة أو تم إغلاقه، يمكن للمستخدمين الانتقال إلى خادم آخر. القدرة على الانتقال بين البروتوكولات المختلفة تزيد من هذه المرونة، مما يجعل الويب الاجتماعي أقل عرضة للرقابة أو الانهيار بسبب قرارات شركة واحدة.
قابلية التشغيل البيني (Interoperability): "باونس" هي تجسيد لمفهوم "قابلية التشغيل البيني" (Interoperability) الذي يُعد حجر الزاوية في بناء إنترنت مفتوح حقاً. بدلاً من الجزر المنعزلة، تخلق "باونس" جسوراً تسمح بالتدفق الحر للمعلومات والتفاعلات، مما يحاكي طبيعة الإنترنت الأصيلة كشبكة عالمية مترابطة. هذا المفهوم حيوي لتطوير تطبيقات وخدمات جديدة يمكنها العمل بسلاسة عبر حدود المنصات.
توسيع آفاق المحتوى: من خلال دعم منصات متنوعة مثل "بكسلفيد" (للفوتوغرافيا) و"جوست" (للتدوين الطويل)، تفتح "باونس" الباب أمام ترحيل الهويات والمجتمعات عبر أنواع مختلفة من المحتوى. هذا يعني أن المدونين والفنانين والمبدعين يمكنهم الانتقال بمنشوراتهم ومتابعيهم إلى منصات متخصصة تلبي احتياجاتهم بشكل أفضل، دون الحاجة إلى البدء من الصفر.
الخاتمة: نحو مستقبل اجتماعي أكثر انفتاحاً وحرية
إن "باونس" ليست مجرد أداة تقنية؛ إنها بيان قوي حول مستقبل الويب الاجتماعي. إنها خطوة ملموسة نحو تحرير المستخدمين من قيود المنصات المركزية، ومنحهم السيطرة الحقيقية على حياتهم الرقمية. بينما لا تزال التحديات قائمة، فإن الرؤية واضحة: بناء ويب اجتماعي مفتوح، مترابط، يضع المستخدم في صلب التجربة، ويحتفي باللامركزية كقوة دافعة للابتكار والحرية.
مع استمرار تطور "باونس" وظهور المزيد من الأدوات المماثلة، يمكننا أن نتوقع رؤية مشهد اجتماعي رقمي يتسم بقدر أكبر من التنوع، والمرونة، والتمكين للمستخدمين. إنها بداية لعهد جديد حيث لا تحد البروتوكولات أو الشركات العملاقة من قدرتنا على التواصل والنمو في عالمنا الرقمي.