تكلفة ذكاء اصطناعي: كم تلوث سؤالك؟

ما هي التكلفة البيئية الحقيقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي؟
تُثير التطبيقات المتزايدة للذكاء الاصطناعي تساؤلات حول تأثيرها البيئي، خاصةً مع انتشار روبوتات الدردشة مثل ChatGPT. فهل يمثل طرح سؤال واحد على هذه الروبوتات عبئًا بيئيًا حقيقيًا؟ دعونا نستكشف هذه المسألة بتفصيل أكثر.
البصمة الكربونية الخفية للذكاء الاصطناعي
سؤال واحد، تأثير ضئيل؟ فكر مرة أخرى!
قد يبدو تأثير سؤال واحد على روبوت دردشة ذكي ضئيلاً، لكن الصورة تتغير بشكل جذري عند النظر إلى الصورة الكبيرة. تُقاس البصمة الكربونية لطرح سؤال نصي بوحدات الغرامات من ثاني أكسيد الكربون، وهي كمية ضئيلة تُمثل جزءًا من المليون من البصمة الكربونية السنوية للفرد الأمريكي العادي. لكن، تخيل مليارات المستخدمين حول العالم يطرحون أسئلة نصية، وصور، ومقاطع فيديو يوميًا. هنا تكمن المشكلة. تتراكم هذه الكميات الصغيرة لتُشكل عبئًا بيئيًا هائلاً.
مراكز البيانات: مستهلكات هائلة للطاقة والموارد
تستهلك مراكز البيانات الضخمة التي تُشغل نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من الكهرباء، أكثر مما تستهلكه مدن بأكملها في بعض الحالات. وقد دفع الطلب المتزايد على هذه المراكز شركات الطاقة إلى الاعتماد أكثر على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي، مما يُزيد من انبعاثات الكربون. كما أن عملية تبريد هذه الحواسيب تتطلب كميات كبيرة من المياه العذبة، حيث يُقدر استهلاك المياه لمعالجة 100 كلمة من نص ChatGPT بزجاجة ماء تقريبًا.
التقليل من الأثر البيئي: استخدام ذكي للذكاء الاصطناعي
لا يعني هذا بالضرورة تجنب استخدام الذكاء الاصطناعي تمامًا. فقد اقترحت البروفيسورة غودرون سوخر، أستاذة علوم الكمبيوتر في جامعة ميونيخ للعلوم التطبيقية، استخدامًا أكثر وعياً وذكاءً لهذه التقنية.
اختيار الوقت المناسب والطريقة الأمثل
نصحت البروفيسورة سوخر باستخدام الذكاء الاصطناعي فقط عند الضرورة، والتفكير في البدائل المتاحة للمهام البسيطة. فعلى سبيل المثال، البحث عن معلومات أساسية أو ساعات عمل متجر ما، يمكن إنجازه بسهولة أكبر وبطاقة أقل عبر محركات البحث التقليدية أو زيارة مواقع الويب مباشرةً. فقد أظهر تحليل لبنك غولدمان ساكس لعام 2024 أن بحث غوغل يستهلك طاقة أقل بحوالي 10 مرات من طرح نفس السؤال على ChatGPT، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا قد يتغير مع تزايد اعتماد غوغل على الردود المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
استخدام نماذج أصغر وأكثر كفاءة
كما شددت البروفيسورة سوخر على أهمية استخدام نماذج أصغر وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، حيث تختلف نماذج الذكاء الاصطناعي في استهلاكها للطاقة بشكل كبير. فبعضها مصمم خصيصاً لتقليل البصمة الكربونية.
تجنب الملخصات التلقائية في محركات البحث
يمكن للمستخدمين الحد من استهلاك الطاقة عن طريق تجنب الملخصات التلقائية التي تولدها بعض محركات البحث باستخدام الذكاء الاصطناعي. فمن الممكن الوصول إلى نتائج البحث التقليدية عبر اختيار علامة تبويب "الويب" بدلاً من الملخصات، أو إضافة "-ai" إلى نهاية استعلام البحث. وتوفر بعض محركات البحث، مثل DuckDuckGo، خيارات لإيقاف تشغيل هذه الميزة.
متى يكون استخدام الذكاء الاصطناعي صديقًا للبيئة؟
في حين أن تقليل استخدام الذكاء الاصطناعي أمر مهم، يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك حالات يكون استخدام الذكاء الاصطناعي فيها أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة مقارنة بالبدائل. يُشير البروفيسور بيل توملينسون، أستاذ علم المعلومات في جامعة كاليفورنيا في إيرفين، إلى أن بعض المهام المعقدة، مثل الترجمة أو التلخيص، قد تستهلك طاقة أقل عند استخدام الذكاء الاصطناعي منها عند القيام بها يدويًا.
مقارنة استهلاك الطاقة: الذكاء الاصطناعي مقابل العمل اليدوي
أوضح توملينسون أن توليد صفحة نصية أو صورة باستخدام الذكاء الاصطناعي يستغرق ثوانٍ معدودة، بينما قد يستغرق القيام بذلك يدويًا ساعات على جهاز كمبيوتر محمول. وخلال هذه الساعات، يُنتج الكمبيوتر المحمول والمستخدم كمية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد تتجاوز تلك الناتجة عن طلب واحد على نموذج ذكاء اصطناعي، كما أشارت ورقة بحثية نُشرت عام 2024.
التوازن بين الفوائد والعيوب
يُقر توملينسون بوجود اعتبارات أخرى، مثل الدقة والجودة والسرقة الأدبية، عند استخدام الذكاء الاصطناعي، لكن يشدد على أن استخدامه يمكن أن يُقلل من استهلاك الطاقة في بعض الحالات، مما يُساهم في تقليل البصمة الكربونية.
في الختام، يُمثل استخدام الذكاء الاصطناعي تحديًا بيئيًا حقيقيًا، لكن بإمكاننا من خلال استخدام هذه التقنية بوعي واختيار البدائل المناسبة، تقليل تأثيرها السلبي على البيئة. فالمسألة ليست في تجنب الذكاء الاصطناعي تمامًا، بل في استخدامه بذكاء ومسؤولية.