تيمو وشي: هروب من رسوم أمريكا لأوروبا

تحوّل استراتيجي: تيمو وشي إن تهاجمان السوق الأوروبي هرباً من القيود الأمريكية
هروب من أمريكا نحو أوروبا: تحديات جديدة تنتظر تيمو وشي إن
تُواجه منصتا التجارة الإلكترونية الصينيتين العملاقتين، "تيمو" و"شي إن"، تحديات كبيرة في السوق الأمريكية، مما دفعهما إلى التوجّه نحو أوروبا كسوق بديلة للنمو. فقد أثّرت السياسات التجارية الأمريكية غير المواتية، وخاصةً الرسوم الجمركية الجديدة و إلغاء الإعفاءات على الطرود الصغيرة، بشكلٍ سلبيٍّ على أرباحهما، مما دفع هاتين الشركتين إلى إعادة رسم استراتيجيتهما العالمية. لكن هل ستكون أوروبا ملاذاً آمناً لهما؟ هذا ما سنحاول استعراضه في هذا التقرير.
ضغوط أمريكية متزايدة تدفع نحو أوروبا
شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في الضغوط على "تيمو" و"شي إن" في الولايات المتحدة. فقد أدّى إغلاق إعفاء الطرود الصغيرة في مايو الماضي، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية جديدة تصل إلى 54% أو 100 دولار للطرد الواحد، إلى تراجعٍ حادٍ في مبيعاتهما. يُؤكد أناند كومار، المدير المساعد للأبحاث في شركة كورسايت ريسيرش، على هذا التوجه قائلاً: "مع تزايد الضغوط التنظيمية والتجارية في الولايات المتحدة، تتجه تيمو وشي إن بشكلٍ متزايدٍ نحو أوروبا والمملكة المتحدة كأسواقٍ نموٍّ حيوية". ويُشير هذا التصريح إلى حجم الضرر الذي لحق بهما جراء السياسات الأمريكية. كما أن الشكاوى المُقدّمة ضدهما في الاتحاد الأوروبي تُضيف المزيد من التعقيدات.
التحديات الأوروبية: أكثر من مجرد رسوم جمركية
على الرغم من التوجه الواضح نحو أوروبا، إلا أن "تيمو" و"شي إن" ليستا بمنأى عن التحديات في أسواقهما الجديدة. فقد بدأت هاتان الشركتان تواجهان صعوبات تنظيمية في أوروبا، تعكس التدقيق الذي خضعتا له في الولايات المتحدة. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن نيته فرض رسوم ثابتة قدرها يوروين على الطرود الصغيرة التي كانت مُعفاة سابقاً من الجمارك، وهو ما يُعتبر ضربةً قويةً لنموذج عملهما الذي يعتمد على أسعارٍ منخفضة للغاية.
رسوم جمركية جديدة وشكاوى مستهلكين: عاصفةٌ أوروبية
لا تُمثل الرسوم الجمركية الجديدة مجرد تكلفة إضافية بسيطة، بل هي جزء من استراتيجية تنظيمية أوروبية أوسع نطاقاً تهدف إلى الحد من نمو التجارة الإلكترونية عبر الحدود فائقة الرخص، والتي قد تُغيّر طريقة عمل منصات مثل "شي إن" و"تيمو" بشكلٍ جذريٍّ خلال السنوات القليلة القادمة. إضافةً إلى ذلك، تُضاف إلى هذه الرسوم شكاوى مُقدّمة من قبل منظمات حماية المستهلك، مثل منظمة المستهلكين الأوروبية (BEUC)، التي تُتهم "شي إن" باستخدام أساليب تُشجّع على الإفراط في الاستهلاك. كما تُواجه "تيمو" شكاوى مشابهة. هذه الشكاوى تُبرز التحديات التي ستواجهها الشركتان في الامتثال للقوانين الأوروبية الصارمة بشأن حماية المستهلك.
استراتيجية توسع جديدة: بين التحديات والفرص
رغم التحديات، تُواصل "تيمو" و"شي إن" استراتيجية توسعهما في أوروبا، وذلك من خلال زيادة إنفاقهما الإعلاني في أسواقٍ رئيسية مثل المملكة المُتحدة وفرنسا، وإضافة سعة مستودعاتها، وتجربة نماذج أعمال محلية. وتُشير بيانات شركة أبحاث المستهلك (Consumer Edge Research) إلى نموٍّ ملحوظٍّ في إنفاق المستهلكين على هاتين المنصتين في أوروبا، على عكس التراجع الحاد في الولايات المتحدة.
نموّ مُتزايد في أوروبا: دليل على نجاح الاستراتيجية؟
تُظهر بيانات Consumer Edge Research انخفاضاً حاداً في إنفاق المستهلكين على تيمو (36%) و شي إن (13%) في الولايات المتحدة خلال مايو مقارنة بالعام السابق، بينما سجّلت المنصتان نمواً ملحوظاً في أوروبا، حيث بلغ نمو إنفاق المستهلكين 63% في الاتحاد الأوروبي و38% في المملكة المُتحدة خلال نفس الفترة. هذا النموّ يُؤكد نجاح استراتيجية الشركتين في التوجه نحو أوروبا، لكنّه لا يُخفي التحديات التنظيمية القائمة. بيانات Sensor Tower تُؤكد نفس الاتجاه، مُظهِرةً تباطؤاً ملحوظاً في استخدام تطبيقات المنصتين في الولايات المتحدة، مقابل نموٍّ قويٍّ في المملكة المُتحدة والاتحاد الأوروبي.
الامتثال للقوانين الأوروبية: شرطٌ أساسيٌّ للبقاء
يُشدّد كومار على أن التوسع في أوروبا ليس مجرد فرصة سانحة، بل هو تحوّل استراتيجي. لكن هذا التوسّع يتطلّب الامتثال للقوانين الأوروبية الصارمة بشأن سلامة المنتجات، وحماية المستهلك، والمنافسة العادلة، بالإضافة إلى توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات والذي يُلزم الشركات بتحديد انتهاكات حقوق الإنسان في سلاسل التوريد والحدّ منها، و الإفصاح عن مقاييس الأثر البيئي والاستدامة. هذا يعني أن "تيمو" و"شي إن" ستواجهان متطلبات امتثالٍ صارمة، وأنّ عدم الامتثال قد يُعرّضهما لعقوباتٍ قاسية. كما أنّ مشروع قانون "مكافحة الموضة السريعة" في فرنسا، الذي يستهدف منصات فائقة الرخص، يُضيف طبقةً إضافيةً من التعقيد.
مستقبلٌ مُشَوّق لكنّه مُعقّد
في الختام، يُمثّل تحوّل "تيمو" و"شي إن" نحو أوروبا خطوةً استراتيجيةً ضرورية في وجه الضغوط الأمريكية، لكنّه لا يُخفي التحديات الكبيرة التي تنتظرهما في السوق الأوروبية. فبين الرسوم الجمركية والقوانين الصارمة والتدقيق النظري المُتزايد، يتعيّن على هاتين الشركتين إثبات قدرتهما على الامتثال للقوانين الأوروبية والتكيّف مع بيئة تجارة أكثر رقابةً، ليُحافظا على نموهما في هذا السوق المُهمّة. وإلاّ، قد تُصبح أوروبا أكثر صعوبةً من أمريكا.