ذكاء اصطناعي أم زوال؟ شركات آسيا تتسابق

ثورة صامتة: الشركات الصغيرة في جنوب شرق آسيا تتبنى الذكاء الاصطناعي للبقاء
سباق البقاء في عصر الذكاء الاصطناعي
بينما يشغل الذكاء الاصطناعي عناوين الصحف العالمية، خاصةً مع التطورات المتسارعة في الولايات المتحدة والصين، تُحدث شركات جنوب شرق آسيا الصغيرة ثورة هادئة لكنها عميقة الأثر. لم يعد تبني الذكاء الاصطناعي خياراً، بل ضرورة ملحة للبقاء في سوق تنافسي متزايد. يؤكد جوخن ويرتز، أستاذ التسويق في كلية إدارة الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية، على أن الشركات التي تتجاهل هذه التقنية ستواجه مصيراً حتمياً: الاندثار أو الابتلاع من قبل الكيانات الأكبر. ببساطة، كما يقول ويرتز، "إما النمو والتطور أو الموت". هذا الواقع يُبرز أهمية التحول الرقمي، ليس كترف، بل كأداة أساسية للنجاح.
إعادة تشكيل المشهد التجاري
سلطت تقارير حديثة من جهات مرموقة، مثل مجموعة بوسطن الاستشارية، الضوء على القدرة التحويلية للذكاء الاصطناعي في جنوب شرق آسيا. فهو لا يُعيد تشكيل العمليات التجارية فحسب، بل يفتح آفاقاً جديدة للربح والإيرادات. كما أظهر تقرير جوجل حول الاقتصاد الرقمي في المنطقة لعام 2024 ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات البحث عن الذكاء الاصطناعي في دول مثل سنغافورة والفلبين وماليزيا، مما يُشير إلى اهتمام متزايد وفضول حقيقي بتبني هذه التقنيات.
العوامل الدافعة للتبني
تساهم عدة عوامل في تسريع عملية تبني الذكاء الاصطناعي في جنوب شرق آسيا. أولها، التركيبة الديموغرافية للشركات. فغالبية قادة الأعمال في دول مثل فيتنام وماليزيا والفلبين هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، مما يجعلهم أكثر انفتاحاً على التقنيات الحديثة وأكثر قدرة على التكيف معها. ثانياً، توفر حلول الذكاء الاصطناعي المرنة منخفضة التكلفة نسبياً فرصة ثمينة للشركات الصغيرة والمتوسطة للبقاء في المنافسة.
تطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي
تُوظف الشركات الصغيرة الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، أبرزها خدمة العملاء والتسويق الرقمي. تُظهر تقارير مشتركة بين Lazada و Kantar، بالإضافة إلى استطلاع لشركة ماكينزي، أن هذه المجالات تشهد أعلى معدلات تبني. يلعب الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) دوراً محورياً هنا، خاصةً في إنشاء المحتوى التسويقي وترجمته إلى لغات متعددة، مما يُسهل الوصول إلى أسواق أوسع.
أمثلة عملية على النجاح
تُقدم منصة Lita Global الإندونيسية، المتخصصة في التواصل الاجتماعي بين هواة الألعاب، مثالاً ملموساً على نجاح دمج الذكاء الاصطناعي. بعد دمج أدوات OpenAI، تضاعفت فعاليات الألعاب الإلكترونية التي تنظمها شهرياً، وارتفعت إيراداتها بنسبة تصل إلى 20% أسبوعياً. كما مكّنها الذكاء الاصطناعي من ترجمة حملاتها التسويقية إلى لغات محلية في دقائق، مما وسّع نطاق جمهورها بشكل كبير. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد استخدمت Lita Global الذكاء الاصطناعي لدعم محادثات اللاعبين، مما أدى إلى تسريع الاستجابات وزيادة الطلب على اللاعبين المؤجّرين بنسبة تتراوح بين 10% و 20%.
التسوق عبر البث المباشر: ثورة جديدة
مع ازدياد شعبية التسوق عبر البث المباشر في جنوب شرق آسيا، بدأت الشركات الصغيرة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم بث مباشر تفاعلي دون الحاجة إلى مُقدمي عروض بشريين. هذا الأمر يُقلل التكاليف بشكل كبير. وفقاً لشركة TopviewAI، يمكن تشغيل البث المباشر بتكلفة لا تتجاوز دولاراً واحداً في الدقيقة، مما يُتيح للشركات الصغيرة الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع بميزانية محدودة.
التحديات والفرص
رغم الفوائد الجمة، لا يزال أمام تبني الذكاء الاصطناعي في جنوب شرق آسيا بعض التحديات. أبرزها، التكاليف المرتفعة. تنفق Lita Global ما يقارب 2000 دولار شهرياً على أدوات الذكاء الاصطناعي، معظمها مخصص لاستخدام واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بـ OpenAI. يُشير سوميك باريدا من جامعة RMIT في فيتنام إلى أن الشركات الصغيرة في مجالات مثل الأزياء والأغذية بدأت بالفعل في استخدام روبوتات الدردشة لتلقي الطلبات، لكنها تواجه صعوبة مع المهام الأكثر تعقيداً بسبب تكاليف التطوير المرتفعة.
مستقبل واعد
رغم هذه التحديات، يبقى التفاؤل سيد الموقف. يُبرز وجود جيل شاب متعطش للتكنولوجيا في المنطقة أهمية هذه التقنية. يُشبه ويرتز تأثير الذكاء الاصطناعي بتطبيقات حجز سيارات الأجرة التي حسّنت تجربة المستخدم وقلّلت من فرص الاحتيال. بينما تتفاوت مستويات النضج التقني بين دول المنطقة، إلا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تتقدم بخطوات ثابتة نحو التحول الرقمي، مستفيدة من حلول مرنة ومنخفضة التكلفة نسبياً. في عالمٍ يتسم بالتغيير المستمر، يُعدّ تبني الذكاء الاصطناعي ليس مجرد خيار، بل شرطاً أساسياً للبقاء والمنافسة.