ذكاء اصطناعي: قاضية تحذر من “أكاذيب” المحامين

تحذير قضائي صارم: الذكاء الاصطناعي يُهدد نزاهة القضاء البريطاني

استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد المرافعات: مخاطر جسيمة تهدد العدالة

شهد العالم مؤخراً تطوراً سريعاً في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما أتاح فرصاً جديدة في العديد من المجالات. لكن هذا التطور السريع لم يخلو من مخاطره، خاصةً في المجالات الحساسة كالقضاء. فقد أصدرت المحكمة العليا في لندن تحذيراً صارماً للمحامين حول استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إعداد المرافعات القانونية، محذرةً من عواقب وخيمة قد تصل إلى اتهامات جنائية.

قضايا وهمية وتهديد لثقة الجمهور

أثارت قضيتان حديثاً قلق القضاة في لندن، حيث استخدم محامون، على ما يبدو، أدوات ذكاء اصطناعي، مثل روبوت الدردشة الشهير "شات جي بي تي"، في كتابة مرافعاتهم. ولكن المفاجأة كانت في اعتماد هذه المرافعات على سوابق قضائية مُختلقة، وغير موجودة أصلاً. هذا الأمر أثار غضب القاضية فيكتوريا شارب التي وصفت استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة بأنه "له تداعيات خطيرة على إقامة العدل وثقة الجمهور في نظام العدالة". فقد أصبح من الواضح أن الاعتماد الأعمى على هذه التقنيات دون التحقق من صحة المعلومات التي تقدمها، يُشكّل تهديداً حقيقياً لسلامة إجراءات المحاكمات ونزاهتها.

مسؤولية المحامين وواجب عدم تضليل المحكمة

أكدت القاضية شارب في حكمها المكتوب على ضرورة تحمل المحامين لمسؤولياتهم الأخلاقية والمهنية، مشددةً على واجبهم في عدم تضليل المحكمة. فاستخدام الذكاء الاصطناعي لإدخال معلومات زائفة يُعتبر خرقاً لهذا الواجب، مما قد يُعرّض المحامي لاتهامات خطيرة. وقد ذكرت القاضية أن استخدام الذكاء الاصطناعي لإعداد مرافعات تحتوي على قضايا وهمية يُمكن أن يُصنف على أنه ازدراء للمحكمة، وهو أمر يُعاقب عليه القانون.

عقوبات صارمة وعواقب جنائية

لم تتوقف القاضية عند حدود التحذير، بل ذكرت صراحةً أن "في أكثر الحالات فداحة، يُعدّ تقديم مواد زائفة عمداً أمام المحكمة بقصد التدخل في سير العدالة جريمةً جنائيةً بموجب القانون العام، ألا وهي إعاقة سير العدالة". وهذا يعني أن المحامين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسؤول قد يواجهون تهمًا جنائية، بالإضافة إلى العقوبات التأديبية المهنية. وهذا التحذير القوي يُبرز خطورة سوء استخدام هذه التقنيات والتداعيات القانونية الوخيمة التي قد تنجم عنه.

دور الجهات التنظيمية والاحتياطات اللازمة

أشارت القاضية شارب إلى أن الجهات التنظيمية القانونية والقضائية قد أصدرت بالفعل إرشادات حول استخدام المحامين للذكاء الاصطناعي. لكنها أكدت أن "الإرشادات وحدها لا تكفي لمعالجة سوء استخدام الذكاء الاصطناعي". فالتعليمات والإرشادات لا تغني عن المسؤولية الفردية للمحامي في التحقق من صحة المعلومات قبل تقديمها للمحكمة. لذلك، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الجهات التنظيمية في تحديث هذه الإرشادات وتشديد رقابتها، بالإضافة إلى ضرورة تدريب المحامين على استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول وإلمامهم بمخاطرها.

التحقق من المصادر ودقة المعلومات: ضرورة ملحة

يُبرز هذا الحكم أهمية التحقق من دقة المعلومات التي تقدمها أدوات الذكاء الاصطناعي، وعدم الاعتماد عليها بشكل أعمى. فعلى المحامين اتباع إجراءات صارمة للتأكد من مصداقية المصادر والبيانات قبل استخدامها في مرافعاتهم. ويُمكن ذلك من خلال التحقق من السوابق القضائية من خلال قواعد البيانات القانونية الموثوقة والمرجعية المعروفة، بدلاً من الاعتماد على نتائج أدوات الذكاء الاصطناعي المباشرة.

مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء

يُمثّل هذا الحكم نقطة تحول في مناقشة استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. فهو يُشير إلى الحاجة إلى توازن دقيق بين الاستفادة من إمكانيات هذه التقنيات وتجنب مخاطرها. ويُتوقع أن يشهد المستقبل مزيداً من التشريعات والإرشادات التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء، مع التأكيد على ضرورة التدريب والتوعية للمحامين والقضاة على حد سواء. فالمحافظة على نزاهة القضاء وثقة الجمهور فيه تُعتبر أولوية قصوى. ويُتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطوراً في الأنظمة التقنية التي تُساعد على التحقق من دقة المعلومات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، مما يُسهم في تقليل مخاطر سوء استخدامه في المجال القانوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى