غرامة 376 مليون دولار على ديليفري هيرو وجلوفو

الاتحاد الأوروبي يُعاقب "ديليفري هيرو" و"غلوفو" بمبلغ ضخم لممارسات احتكارية

أصدر الاتحاد الأوروبي حكماً تاريخياً ضد شركتي توصيل الطعام العملاقتين، "ديليفري هيرو" و"غلوفو"، بغرامةٍ ضخمةٍ بلغت 379 مليون دولار أمريكي (329 مليون يورو). يُعتبر هذا القرار، الصادر يوم الإثنين، أحدث فصلٍ في حملة الاتحاد الأوروبي الحازمة لمكافحة ممارسات الاحتكار الضارة التي تُقيّد المنافسة وتضرّ بالمستهلكين.

تحقيق مكثف يكشف عن انتهاكات جسيمة

جاء هذا الحكم بعد تحقيقٍ دقيقٍ ومكثفٍ أجرته المفوضية الأوروبية، استمرّ لمدة عامٍ كامل، وتخلّله مداهمتان مفاجئتان لمقرات الشركتين في يونيو 2022 ونوفمبر 2023. وخلال هذا التحقيق، كشفت المفوضية عن أدلةٍ دامغةٍ تُثبت تورط الشركتين في اتفاقٍ سريٍّ يهدف إلى تقويض المنافسة في سوق توصيل الطعام. وقد استند التحقيق إلى معلوماتٍ تمّ الحصول عليها من مصادر متعددة، بما في ذلك وثائق داخلية وبيانات سوقية.

اتفاقات سرية تُعيق المنافسة وتضرّ المستهلكين

كشفت نتائج التحقيق عن سلسلة من الاتفاقات السرية بين "ديليفري هيرو" و"غلوفو"، التي بدأت قبل استحواذ "ديليفري هيرو" على حصةٍ مسيطرة (94%) في "غلوفو" عام 2022. فقد اتفقت الشركتان على عدم استقطاب موظفي بعضهما البعض، مما يُحدّ من قدرة الموظفين على البحث عن فرص عمل أفضل، ويُعيق حرية حركة الكفاءات في السوق. كما تبادلتا معلوماتٍ تجاريةً حساسة، مما سمح لهما بتحديد استراتيجياتهما التسويقية وتحديد أسعارهما بشكلٍ منسّق.

تقسيم المناطق وتحديد الأسعار: ممارسات احتكارية صريحة

ولم تتوقف الممارسات الاحتكارية عند هذا الحد. فقد اتفقت الشركتان على تقسيم المناطق الجغرافية، حيث حدّدت كلّ منهما المناطق التي ستعمل فيها، مما قلّل من الخيارات المتاحة أمام المستهلكين ورفع الأسعار. هذه الممارسات، التي تُعرف بتقسيم الأسواق، تُعتبر انتهاكاً صريحاً لقوانين مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، وتُؤثّر سلباً على المنافسة وعلى قدرة المستهلكين على الحصول على خدمات توصيل الطعام بأسعارٍ عادلة.

غرامات ضخمة وعقوبات تاريخية

نتيجةً لهذه الممارسات، فرض الاتحاد الأوروبي غرامةً كبيرةً على الشركتين، بلغت 223 مليون يورو على "ديليفري هيرو" و 106 ملايين يورو على "غلوفو". وقد خفّضت الغرامات بنسبة 10% نظراً لاعتراف الشركتين بارتكاب المخالفات. يُعتبر هذا الحكم سابقةً قانونيةً هامة، حيث يُمثّل المرة الأولى التي يُعاقب فيها الاتحاد الأوروبي شركاتٍ على استخدامٍ احتكاريّ لحصةٍ أقلية في شركة منافسة. كما يُعدّ أول حالةٍ تُعاقب فيها المفوضية مجموعاتٍ بسبب اتفاق "عدم الاستقطاب".

أهمية الحكم وتداعياته على سوق توصيل الطعام

يُعتبر هذا الحكم بمثابة رسالةٍ واضحةٍ من الاتحاد الأوروبي للشركات التي تسعى إلى تقويض المنافسة، مُؤكّداً على التزامه بحماية المستهلكين وضمان بيئةٍ تنافسيةٍ عادلة. كما يُشير الحكم إلى أهمية الرقابة الصارمة على عمليات الاندماج والاستحواذ، وخاصةً في القطاعات التي تشهد نمواً سريعاً مثل قطاع توصيل الطعام. ومن المتوقع أن يُؤثّر هذا الحكم بشكلٍ كبيرٍ على سوق توصيل الطعام في أوروبا، مما يُحفّز الشركات على مراجعة ممارساتها التجارية والتزامها بقوانين مكافحة الاحتكار.

التقنيات المستخدمة في التحقيق وكشف الانتهاكات

استخدمت المفوضية الأوروبية تقنياتٍ متقدمةً في تحقيقها، بما في ذلك تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، لكشف الاتفاقات السرية بين الشركتين. وقد تمّ فحص كمياتٍ هائلةٍ من البيانات، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني، والوثائق الداخلية، وسجلات المحادثات، لتحديد الأدلة على التواطؤ وتنسيق الأسعار. هذا يُبرز أهمية التطوّر التكنولوجي في مكافحة الممارسات الاحتكارية وضمان الشفافية في الأسواق.

الرسالة للمستهلكين والشركات

يُرسل هذا الحكم رسالةً قويةً للمستهلكين، مؤكداً على التزام الاتحاد الأوروبي بحماية حقوقهم وضمان حصولهم على خدماتٍ بأسعارٍ عادلة. كما يُوجّه رسالةً تحذيريةً للشركات، مُشدّداً على ضرورة الالتزام بقوانين مكافحة الاحتكار وتجنّب الممارسات الاحتكارية التي تُضرّ بالمنافسة وتُقيّد حرية السوق. يُتوقع أن يُساهم هذا الحكم في تعزيز المنافسة في سوق توصيل الطعام، مما يُؤدي إلى خفض الأسعار وتحسين جودة الخدمات المقدّمة للمستهلكين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى