غوغل تحارب احتيال الهند الرقمي

غوغل تُطلق حملة ضخمة لمكافحة الجرائم الإلكترونية في الهند: ذكاء اصطناعي في مواجهة الاحتيال المتصاعد
تُشهد الهند، ثاني أكبر سوق للإنترنت عالميًا، ارتفاعًا مُقلقًا في معدلات الجرائم الإلكترونية، ما دفع عملاق التكنولوجيا غوغل لإطلاق مبادرة شاملة تُعزز الأمن السيبراني في البلاد. تُعتبر هذه الخطوة استجابةً مباشرةً للزيادة المُتسارعة في عمليات الاحتيال الرقمي، خاصةً تلك المرتبطة بنظام الدفع الفوري UPI، والذي شهد ارتفاعًا بنسبة 85% في حالات الاحتيال خلال عام واحد فقط، مُسجلاً خسائر تقارب 127 مليون دولار.
ميثاق السلامة الرقمي: حماية المستخدمين في سوق سريع النمو
أعلنت غوغل عن "ميثاق السلامة" الخاص بها في الهند، والذي يعتمد بشكل أساسي على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة لمكافحة هذه الظاهرة. يُركز الميثاق على ثلاث ركائز أساسية:
مكافحة الاحتيال الإلكتروني: ذكاء اصطناعي متطور في خدمة الأمن
تُوظّف غوغل قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنشطة الاحتيالية المشبوهة. فعلى سبيل المثال، تمكن تطبيق الرسائل في نظام أندرويد، المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي، من حجب أكثر من 500 مليون رسالة خبيثة شهريًا. كما ساهمت خدمة Play Protect في منع حوالي 60 مليون محاولة تحميل لتطبيقات ضارة، وأوقفت أكثر من 220 ألف تطبيق ضار على 13 مليون جهاز. حتى تطبيق غوغل باي، أحد أشهر تطبيقات الدفع عبر نظام UPI، أصدر 41 مليون تحذير بشأن معاملات مشبوهة.
حماية البنية التحتية الحساسة: تعزيز الأمن السيبراني الوطني
يتجاوز ميثاق السلامة مكافحة الاحتيال الفردي ليشمل حماية البنية التحتية الحساسة للهند. وتُظهر هذه الخطوة التزام غوغل بالتعاون مع الحكومة الهندية والمؤسسات الأكاديمية والشركات المحلية لتطوير حلول تكنولوجية متقدمة تُعزز الأمن السيبراني على نطاق أوسع. يُعتبر افتتاح مركز غوغل الرابع لهندسة الأمن (GSec) في الهند، بعد دبلن وميونيخ وملقة، دليلاً واضحًا على هذا الالتزام.
بناء ذكاء اصطناعي مسؤول: التوازن بين الابتكار والأمان
تُدرك غوغل أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، وتُدرك أيضًا إمكانية استغلاله من قِبل الجهات الخبيثة. فقد أشارت هيذر أدكنز، نائبة رئيس هندسة الأمن في غوغل، إلى مخاطر استخدام تقنيات مثل التزييف العميق (Deepfake) واستنساخ الأصوات في عمليات الاحتيال. كما أشارت إلى إمكانية استخدام أدوات مثل جيميني (Gemini) في تطوير هجمات التصيد الاحتيالي الأكثر إقناعًا بفضل قدراتها على الترجمة الفورية وتحسين الصياغة. لذلك، تعمل غوغل على تطوير إطار أمني خاص بالذكاء الاصطناعي للحد من استغلاله، بالتعاون مع مجتمع البحث والمطورين، مع تجنب فرض قيود صارمة على الابتكار في هذه المرحلة المبكرة من تطور التقنية.
التحديات والفرص: مواجهة التهديدات المتزايدة
لا يقتصر دور غوغل على مكافحة الاحتيال الإلكتروني فحسب، بل يتعدى ذلك إلى مواجهة تحديات أمنية أوسع نطاقاً. فقد أشارت أدكنز إلى تهديد مزودي أنظمة المراقبة التجارية، مثل شركات التجسس كـ NSO، التي تُتيح أدوات اختراق متطورة بسعر يتراوح بين 20 و 200 ألف دولار، دون الحاجة إلى خبرة تقنية عالية. هذا الأمر يُسهل استهداف الأفراد والمؤسسات، خاصةً في سوق نامٍ ومتنوع كالهند.
تأمين الحسابات: التحديات في تطبيق المصادقة متعددة العوامل
تُركز غوغل أيضًا على تعزيز أمان الحسابات من خلال الترويج للمصادقة متعددة العوامل (MFA) ومفاتيح الأمان. لكن تطبيق هذه الحلول في سوق واسع ومتنوع مثل الهند يواجه تحديات تتعلق بالبنية التحتية الرقمية وتفضيلات المستخدمين. فهناك حاجة إلى توعية مستمرة وتبسيط هذه التقنيات لتسهيل استخدامها من قبل جميع الفئات.
الهند: نموذج عالمي مُحتمل
تُعتبر تجربة غوغل في الهند بمثابة اختبار حقيقي لفعالية استراتيجيات مكافحة الجرائم الإلكترونية. فقد صرّحت أدكنز بأن الهند تُمثل نموذجًا يُمكن أن يُصبح عالميًا في المستقبل، وأن ما يحدث هناك الآن قد يُشير إلى التحديات والفرص التي ستواجهها الدول الأخرى لاحقًا. يُبرز هذا التركيز على الهند أهمية السوق الهندي كسوق تجريبي ضخم، والنتائج التي ستُحققها غوغل هناك ستُؤثر بلا شك على استراتيجياتها العالمية في مجال الأمن السيبراني. و يُظهر التعاون مع مركز تنسيق الجرائم الإلكترونية التابع لوزارة الداخلية الهندية، بالإضافة إلى برنامج DigiKavach المُخصص لمكافحة التطبيقات المالية الضارة، مدى جدية غوغل في مواجهة هذه التحديات. إنّ هذا التعاون يُمثل نموذجًا يُمكن أن يُحتذى به في البلدان الأخرى التي تُعاني من ارتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية.