فيتاليك بوتيرين يحذر: مشروع وورلد لسام التمان يهدد خصوصية المستخدمين الرقمية

فيتاليك بوتيرين يحذر من مخاطر مشروع "وورلد" الرقمي: نظرة عميقة على الهوية الرقمية والخصوصية

يثير فيتاليك بوتيرين، المؤسس المشارك لشبكة إيثيريوم، تساؤلات جوهرية حول مشروع "وورلد" (World) الرقمي الذي يروج له سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI. يركز هذا المشروع على فكرة تحديد الهوية الرقمية للأفراد من خلال مسح قزحية العين، وهي تقنية تهدف إلى التمييز بين البشر والروبوتات في الفضاء الرقمي. ومع ذلك، يحذر بوتيرين من المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن هذا النهج على صعيد الخصوصية الفردية، ويقدم رؤية بديلة تقوم على "الهوية التعددية".

"وورلد": مسح قزحية العين وبناء الهوية الرقمية

تم تأسيس مشروع "وورلد"، الذي كان يُعرف سابقاً باسم "وورلدكوين" (Worldcoin)، تحت مظلة شركة "Tools for Humanity" التي أسسها سام ألتمان وأليكس بلانيا. يعتمد المشروع على تقنية فريدة من نوعها، وهي مسح قزحية العين باستخدام جهاز متخصص يسمى "Orb". تقوم هذه التقنية بإنشاء هوية رقمية فريدة لكل فرد، يتم تخزينها على شبكة البلوك تشين. يهدف المشروع إلى إثبات هوية المستخدمين والتأكد من أنهم بشر حقيقيون، وذلك بهدف مكافحة الاحتيال والتحكم في الوصول إلى الخدمات الرقمية، بالإضافة إلى إمكانية توزيع العملات المشفرة على المستخدمين كجزء من نظام الحوافز.

المخاوف الرئيسية: مخاطر نظام "هوية واحدة لكل شخص"

يرى بوتيرين أن النهج الذي يتبعه "وورلد" يعتمد في جوهره على نظام "هوية واحدة لكل شخص". على الرغم من أن المشروع يستخدم تقنيات "إثبات المعرفة الصفرية" (Zero-Knowledge Proofs) لحماية خصوصية المستخدمين، إلا أن بوتيرين يرى أن هذا النهج قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على المدى الطويل.

"إثبات المعرفة الصفرية" هي تقنية تسمح للمستخدم بإثبات امتلاكه لمعلومة معينة دون الكشف عنها. في سياق "وورلد"، يمكن للمستخدم إثبات أنه يمتلك هوية رقمية فريدة دون الكشف عن بياناته الشخصية. ومع ذلك، يرى بوتيرين أن هذا لا يحل المشكلة الأساسية.

في العالم الحقيقي، يعتمد الأفراد على استخدام هويات مستعارة (Pseudonymity) لحماية خصوصيتهم. يسمح هذا النهج للأفراد بإنشاء حسابات متعددة على الإنترنت، كل منها مرتبط بهوية مستعارة مختلفة. هذا يساعد على حماية الأفراد من التتبع والمراقبة، ويمنحهم القدرة على التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من الانتقام.

وفقاً لبوتيرين، فإن نظام "هوية واحدة لكل شخص" يقوض هذه الميزة. إذا كان كل نشاط المستخدم مرتبطاً بهوية رقمية واحدة، فإن ذلك يجعل من السهل تتبع سلوكه عبر الإنترنت. حتى لو تم استخدام تقنيات إثبات المعرفة الصفرية، فإن السلطات الحكومية أو الجهات الفاعلة الخبيثة قد تجد طرقاً لإجبار المستخدمين على الكشف عن هوياتهم الحقيقية.

أمثلة واقعية: المخاطر تتجاوز النطاق التقني

يقدم بوتيرين أمثلة واقعية لتوضيح المخاطر المحتملة لنظام "هوية واحدة لكل شخص". يشير إلى أن الحكومة الأمريكية، على سبيل المثال، بدأت في مطالبة المتقدمين للحصول على تأشيرات طلابية وباحثين بالإفصاح عن حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. الهدف من ذلك هو فحص هذه الحسابات بحثاً عن أي "عدائية" محتملة.

في مثل هذه الحالات، حتى لو لم يكن هناك رابط علني بين الهويات الرقمية المختلفة للمستخدم، يمكن للحكومة أن تجبر المستخدم على الكشف عن هويته الحقيقية، وبالتالي الكشف عن جميع أنشطته عبر الإنترنت. هذا يمثل انتهاكاً خطيراً للخصوصية، ويمكن أن يؤدي إلى التمييز والاضطهاد.

"الهوية التعددية": رؤية بديلة لحماية الخصوصية

يدعو بوتيرين إلى تبني نهج بديل يركز على "الهوية التعددية" (Pluralistic Identity). في هذا النموذج، لا توجد سلطة مركزية واحدة تصدر الهويات الرقمية. بدلاً من ذلك، يمكن للمستخدمين اختيار استخدام مجموعة متنوعة من الهويات الرقمية المختلفة، كل منها مدعوم من قبل جهات مختلفة.

يمكن أن تكون هذه الأنظمة "صريحة" (Explicit)، حيث يطلب من المستخدمين التحقق من هويتهم بناءً على شهادات من مستخدمين آخرين تم التحقق من هويتهم بالفعل. أو يمكن أن تكون "ضمنية" (Implicit)، حيث تعتمد على مجموعة متنوعة من أنظمة الهوية المختلفة.

يرى بوتيرين أن هذه الأنظمة تمثل "الحل الواقعي الأفضل" لحماية الخصوصية في العصر الرقمي. فهي تسمح للأفراد بالحفاظ على السيطرة على هوياتهم الرقمية، وتوفر لهم المرونة اللازمة للتعبير عن آرائهم بحرية والمشاركة في الأنشطة عبر الإنترنت دون خوف من المراقبة.

تطبيقات عملية للهوية التعددية

يمكن أن تتخذ الهوية التعددية أشكالاً متعددة في الواقع العملي. على سبيل المثال، يمكن للمستخدمين استخدام محافظ رقمية متعددة، كل منها مرتبط بهوية مختلفة. يمكنهم أيضاً استخدام خدمات التحقق من الهوية التي تعتمد على شبكات اجتماعية لامركزية، حيث يمكن للمستخدمين التحقق من هويات بعضهم البعض دون الحاجة إلى الاعتماد على سلطة مركزية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للهوية التعددية أن تدعم ظهور تطبيقات لامركزية (dApps) أكثر أماناً وخصوصية. يمكن لهذه التطبيقات أن تسمح للمستخدمين بالتفاعل مع بعضهم البعض دون الحاجة إلى الكشف عن هوياتهم الحقيقية.

التحديات والفرص

بالطبع، يواجه تبني الهوية التعددية تحديات. أحد هذه التحديات هو صعوبة بناء الثقة في الأنظمة اللامركزية. قد يحتاج المستخدمون إلى وقت للتكيف مع فكرة عدم وجود سلطة مركزية مسؤولة عن التحقق من الهوية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه الأنظمة اللامركزية صعوبة في مكافحة الاحتيال والتلاعب. ومع ذلك، يعتقد بوتيرين أن هذه التحديات يمكن التغلب عليها من خلال تطوير تقنيات جديدة، مثل تقنيات التعلم الآلي التي يمكنها اكتشاف الأنشطة الاحتيالية.

على الرغم من هذه التحديات، فإن الهوية التعددية تقدم فرصاً كبيرة. فهي يمكن أن تعزز الخصوصية الفردية، وتعزز حرية التعبير، وتعزز الابتكار في الفضاء الرقمي. من خلال تبني هذا النهج، يمكننا بناء إنترنت أكثر أماناً وعدالة للجميع.

الخلاصة: نحو مستقبل رقمي يحترم الخصوصية

تحذيرات فيتاليك بوتيرين بشأن مشروع "وورلد" تسلط الضوء على أهمية التفكير النقدي في تصميم أنظمة الهوية الرقمية. بينما تقدم تقنيات مثل مسح قزحية العين إمكانات مثيرة، يجب علينا أن نكون على دراية بالمخاطر المحتملة التي قد تنشأ عن هذه التقنيات.

من خلال تبني نهج "الهوية التعددية"، يمكننا بناء مستقبل رقمي يحترم الخصوصية الفردية ويحمي حقوق الإنسان الأساسية. هذا يتطلب التعاون بين المطورين والباحثين وصناع السياسات والمجتمع المدني. يجب علينا أن نعمل معاً لبناء إنترنت أكثر أماناً وعدالة للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى