مؤشر البيتزا ينبئ بحرب إسرائيل وإيران؟



هل "مؤشر البيتزا" نبوءة أم صدفة؟ تحليل دقيق لفعالية هذا المؤشر في التنبؤ بالأحداث العسكرية

تزايدت في الآونة الأخيرة، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، الحديث عن ظاهرة غريبة أُطلق عليها "مؤشر البيتزا". يدعي البعض أن هذا المؤشر، الذي يقيس الطلب على البيتزا حول مقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يُمكنه التنبؤ بالتحركات العسكرية الكبرى. لكن هل هذا الادعاء صحيح؟ وهل يمتلك هذا المؤشر فعالية حقيقية في التنبؤ بالأحداث، أم أنه مجرد مصادفة مثيرة للجدل؟ هذا ما سنحاول تحليله في هذا التقرير.

أصول "مؤشر البيتزا" وظهوره في سياق الحرب الباردة

يعود أصل هذا المؤشر، كما يُروى، إلى حقبة الحرب الباردة. فمن المفترض أن أجهزة الاستخبارات السوفيتية كانت تراقب طلبات البيتزا من المطاعم المحيطة بالبنتاغون، معتبرة أي زيادة مفاجئة في الطلب مؤشراً على تحركات عسكرية وشيكة. وقد انتشر هذا المفهوم عبر السنوات، مُضيفاً إليه الكثير من التكهنات والتفسيرات. يُذكر أن بعض المؤمنين بهذه النظرية يُشيرون إلى زيادة مفاجئة في طلبات البيتزا قبل غزو الكويت عام 1990، بالإضافة إلى أحداث عسكرية أخرى في عامي 1983 و 1989. كما يُشار إلى ارتباطه بأحداث عام 2024، بما في ذلك الهجوم الإسرائيلي على إيران و رد حزب الله. لكن هل هذه مجرد مصادفات أم دليل قاطع على فعالية المؤشر؟

التحليل المنهجي لبيانات "مؤشر البيتزا": دراسة حالة

لتقييم مدى دقة "مؤشر البيتزا"، قمنا بتحليل بيانات من حساب على منصة إكس (تويتر سابقاً) يُتابع الطلب على البيتزا حول البنتاغون. قام الحساب بنشر أكثر من 981 تغريدة، منها 29 تغريدة ذكرت زيادة "هائلة" أو "عاليه جداً" في الطلب على البيتزا، توزعت على شهري أغسطس 2024 ويونيو 2025.

أغسطس 2024: التزامن بين "مؤشر البيتزا" والأحداث الجيوسياسية

بعد اغتيال إسرائيل لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو 2024، سجل "مؤشر البيتزا" 16 حالة ازدحام بين 3 و13 أغسطس. يُلاحظ أن هذه الفترة شهدت تطورات ميدانية مهمة، لكن لم يكن "مؤشر البيتزا" بحد ذاته كافياً للتنبؤ بهذه الأحداث، فهي كانت متوقعة إلى حد كبير من خلال التحليلات الاستخباراتية والتقارير الإعلامية. فمثلاً، تزامن تقرير البيتزا في 3 أغسطس مع إعلان البنتاغون عن تعزيزات عسكرية، بالإضافة إلى توقعات محللين بـ "حرب وشيكة" لم تحدث. خلال نفس الفترة، كانت هناك أحداث أخرى بارزة، مثل انسحاب القوات الأمريكية من النيجر، واتصالات أمريكية مع زعيم انقلاب الغابون، وعمليات عسكرية في الكونغو. يُظهر هذا أن ارتفاع الطلب على البيتزا يعكس سخونة الأحداث الجارية وانخراط البنتاغون فيها، وليس بالضرورة توقيت مخططات سرية.

رد حزب الله في 25 أغسطس: اختبار حقيقي لـ"مؤشر البيتزا"؟

أول اختبار حقيقي لفعالية "مؤشر البيتزا" كدليل مبكر على حدث عسكري وشيك كان في تقرير فجر يوم 25 أغسطس. أتى هذا التقرير بعد انقطاع 12 يوماً عن تقارير ازدحام كبير على البيتزا، وتزامن مع رد حزب الله على اغتيال فؤاد شكر بقصف إسرائيل. كان تقرير البيتزا في الساعة الثانية فجراً، أي قبل حوالي 3 ساعات من شن إسرائيل غارات على لبنان. يُمكن القول هنا أن "مؤشر البيتزا" تنبأ برد حزب الله، الذي كان متوقعاً منذ 30 يوليو، لكن لم تكن هناك مؤشرات واضحة على توقيت الهجوم. لكن هل هذا كافٍ لاعتبار "مؤشر البيتزا" أداة تنبؤ دقيقة؟

يونيو 2025: هل يتكرر النجاح أم مجرد مصادفة؟

في يونيو 2025، سجّل "مؤشر البيتزا" حالتين لزيادة كبيرة في الطلب. الأولى كانت في نهاية يوم 2 يونيو، بعد هجوم أوكراني كبير استغرق التخطيط له 16 شهراً. بما أن الزيادة سُجلت بعد الهجوم، فإنها تُعتبر انعكاساً للأحداث الجارية، وليس تنبؤاً بها. أما الحالة الثانية، فكانت في الساعة الثانية صباح يوم 12 يونيو، قبل شن إسرائيل هجومها على إيران في اليوم التالي. رغم هذه المصادفة، لا يُمكن اعتبار "مؤشر البيتزا" دليلاً دقيقاً، فقد سبقت الهجوم تقارير إعلامية عن توقيته، كما تم إجلاء موظفي السفارة الأمريكية في بغداد.

الخلاصة: بين المصادفة والتحليل

من بين أكثر من ألف تقرير حول "مؤشر البيتزا"، هناك حالتان فقط سبقتا تحركاً عسكرياً لافتاً. لكن في هاتين الحالتين، كانت هناك تقارير رسمية وتقارير إعلامية وتحركات ميدانية أشارت إلى الاحتمال القوي لحدوث هذه الأحداث. لذلك، يبدو أن "مؤشر البيتزا" ليس أداة تنبؤ دقيقة، بل انعكاس للسخونة الإعلامية والأحداث الجارية، خاصة تلك التي تتعلق بالبنتاغون والتحركات العسكرية الأمريكية. يحتاج الأمر إلى تحليل أعمق وأدلة أكثر قوة قبل أن نعتمد على هذا المؤشر كأداة موثوقة للتنبؤ بالأحداث العسكرية. يجب الاعتماد على مصادر موثوقة و تحليلات استخباراتية دقيقة بدلاً من الاعتماد على مصادر غير موثوقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى