مهندسون ينتحلون روبوتات دردشة!

فضيحة "Builder.ai": خداع الذكاء الاصطناعي وانهيار شركة ناشئة

تُسلط قصة شركة "Builder.ai" الناشئة، المدعومة من عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت، الضوء على جانب مظلم من عالم التكنولوجيا الحديثة: غسل الذكاء الاصطناعي (AI-washing). فبدلاً من الابتكار الحقيقي، لجأت الشركة إلى خدعة ذكية، أو بالأحرى، خدعة بشرية مكلفة، كادت أن تُكلّفها سمعتها ومستقبلها.

مساعد افتراضي… بشري!

أعلنت "Builder.ai" عن منصة متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لبناء تطبيقات الهاتف المحمول. تواصل المستخدمون مع مساعد افتراضي يُدعى "ناتاشا"، والتي وعدت بتقديم تطبيقات مصممة خصيصاً بناءً على طلباتهم. بدا كل شيء مثاليا، تطبيقات فعالة تُبنى بسرعة وسهولة. لكن الحقيقة كانت مختلفة تماماً.

وراء واجهة "ناتاشا" الذكية، لم يكن هناك سوى فريق من 700 مهندس بشري يعملون في الهند. هؤلاء المهندسون كانوا هم من يتفاعلون مع العملاء، ويجمعون المعلومات، ويقومون فعلياً بكتابة كود التطبيق. لم يكن هناك ذكاء اصطناعي حقيقي يقود العملية، بل خدعة ذكية لتسويق منتج غير موجود بالشكل الذي تم الإعلان عنه.

غسل الذكاء الاصطناعي: ممارسة متفشية في عالم التكنولوجيا

تُعتبر قصة "Builder.ai" مثالاً صارخاً على ظاهرة "غسل الذكاء الاصطناعي"، وهي ممارسة تتزايد بشكل مقلق في عالم التكنولوجيا. تدعي العديد من الشركات استخدام تقنيات ذكاء اصطناعي متطورة في منتجاتها، دون أن يكون ذلك صحيحاً تماماً. الغرض من ذلك عادةً هو جذب المستثمرين والعملاء، والاستفادة من الحماس الكبير المُحيط بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

مثال آخر على ذلك، ادعاء شركة كوكاكولا أن مشروبها "Y3000 Zero Sugar" تم تطويره بمساعدة الذكاء الاصطناعي، دون تقديم أي تفاصيل تقنية تُثبت ذلك. هذه الادعاءات، التي غالباً ما تفتقر إلى الشفافية، تُثير شكوك المستهلكين وتُقلل من ثقة الجمهور في هذه التقنيات.

ثقة الجمهور في الذكاء الاصطناعي: صورة متناقضة

بينما تُروج شركات التكنولوجيا للذكاء الاصطناعي كحل سحري لكثير من المشاكل، يُظهر الواقع صورة مختلفة. أشارت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث إلى أن 43% من المشاركين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيضرهم، مقارنةً بـ 24% فقط يعتقدون أنه سيُفيدهم. هذا الانقسام الواضح يُظهر مدى قلق الجمهور من التأثيرات المحتملة لتقنيات الذكاء الاصطناعي على حياتهم ووظائفهم.

كما أظهرت الدراسة تبايناً كبيراً بين توقعات خبراء الذكاء الاصطناعي وتوقعات الجمهور العادي حول تأثير هذه التقنيات على سوق العمل. فبينما يرى 73% من خبراء الذكاء الاصطناعي تأثيراً إيجابياً، تنخفض هذه النسبة إلى 23% فقط بين البالغين في الولايات المتحدة. يُبرز هذا التباين الحاجة إلى مزيد من الشفافية والوضوح في الترويج لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

انهيار "Builder.ai": العواقب الوخيمة للخداع

لم يكن "غسل الذكاء الاصطناعي" هو السبب الوحيد وراء انهيار "Builder.ai"، بل ساهم أيضاً في تفاقم الوضع المالي المتردي للشركة. فبعد اكتشاف أن إيرادات الشركة الحقيقية أقل بكثير من الإيرادات المعلنة (50 مليون دولار مقابل 220 مليون دولار)، تم الحجز على 37 مليون دولار من أموال الشركة.

اتهم ليناس بيليوناس من شركة "Zero Hash" الشركة بالاحتيال، مُشيراً إلى أن ما تم تقديمه لم يكن ذكاءً اصطناعياً، بل عمل مجموعة من المطورين الهنود الذين قاموا بتقليد عملية تطوير التطبيق بواسطة الذكاء الاصطناعي.

أدت هذه الفضيحة إلى مصادرة ملايين الدولارات من الشركة، و تراكم ديون ضخمة على عاتقها، وصلت إلى 85 مليون دولار لأمازون و 30 مليون دولار لمايكروسوفت مقابل خدمات سحابية. وقدمت الشركة طلباً لإعلان إفلاسها في المملكة المتحدة والهند والولايات المتحدة، مُنهيةً مسيرتها بفضيحة تُمثل درساً قاسياً في عالم التكنولوجيا.

الخلاصة: الشفافية هي المفتاح

تُعتبر قصة "Builder.ai" بمثابة جرس إنذار لشركات التكنولوجيا. فالترويج لمنتجات باستخدام ادعاءات غير دقيقة حول استخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط أمرًا أخلاقياً مشكوكاً فيه، بل يُمكن أن يُكلف الشركة سمعتها ومستقبلها. الشفافية والصدق في التعامل مع المستهلكين والمستثمرين يُعتبران أمرين ضروريين لبناء ثقة متينة في عالم التكنولوجيا المتطور سريعاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى