نقصٌ حادّ في خبراء الذكاء الاصطناعي: كيندريل تكشف الصدمة!

فجوة المهارات في الذكاء الاصطناعي: دراسة كيندريل تكشف عن تحدٍّ عالميّ
مقدمة:
في عالمٍ يشهد تطوراً متسارعاً في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تبرز أهمية مواءمة استراتيجيات القوى العاملة مع هذا التطور الهائل. فلم يعد يكفي الاستثمار في أحدث التقنيات دون الاستثمار في العنصر البشري المؤهل لإدارتها واستغلال إمكاناتها. كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة كيندريل العالمية المتخصصة في تقديم الخدمات التقنية، عن فجوة هائلة في جاهزية القوى العاملة للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مُسلطةً الضوء على تحدٍّ حاسم يواجه الشركات في جميع أنحاء العالم. سنتناول في هذا المقال تفاصيل هذه الدراسة، و نتعمق في تحليل أسباب هذه الفجوة، و نستعرض الحلول المقترحة، مع التركيز على التحديات والفرص المتاحة أمام الشركات في المنطقة العربية.
أرقامٌ صادمةٌ تكشف عن فجوةٍ كبيرة
أجرت كيندريل دراسةً شاملةً شملت استطلاع آراء 1100 من قادة الأعمال والتكنولوجيا في ثمانية أسواق عالمية رئيسية، منها البرازيل، وفرنسا، وألمانيا، والهند، واليابان، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. وهدفت الدراسة إلى قياس مدى جاهزية الشركات عالمياً، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط، للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحديد التحديات والعقبات التي تواجهها.
استثمارات ضخمة، ونتائج ضعيفة:
رغم أن 95% من الشركات المشاركة في الدراسة استثمرت في تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن 71% منها أقرّ بعدم جاهزية قواها العاملة للاستفادة من هذه التقنيات بشكلٍ فعال. هذا يدل على وجود فجوةٍ كبيرةٍ بين التطلعات الاستثمارية وبين الواقع العمليّ. وتتجلى هذه الفجوة بوضوح في النسبة المئوية المقلقة للشركات التي تعاني نقصاً في الكفاءات المؤهلة لإدارة تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث بلغت هذه النسبة 51%. كما أظهرت الدراسة أن 45% من الرؤساء التنفيذيين أشاروا إلى وجود مقاومةٍ من الموظفين لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يُعقّد عملية دمج هذه التقنيات بنجاح.
الشرق الأوسط: استثمارٌ كبير، وعوائدٌ محدودة:
تُظهر الدراسة صورةً مُشابهةً في منطقة الشرق الأوسط، حيث استثمرت 77% من الشركات في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، لكن أقل من نصفها (39%) حققت عوائد إيجابية على استثماراتها. هذا يؤكد مجدداً على أن الاستثمار المالي وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مصحوباً باستراتيجياتٍ متكاملةٍ لتمكين القوى العاملة من استخدام هذه التقنيات بكفاءة.
أسبابٌ مُتعددةٌ وراء فجوةِ المهارات
تُعزى فجوة المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي إلى عدة عوامل رئيسية:
صعوبة إدارة التغيير المؤسسي:
تواجه العديد من الشركات صعوبةً في إدارة عملية التحول نحو تبني الذكاء الاصطناعي. فغياب استراتيجياتٍ فعالةٍ لإدارة التغيير، وعدم وجود خططٍ واضحةٍ للتدريب والتطوير، يُعيق عملية دمج هذه التقنيات بسلاسةٍ في بيئة العمل. يحتاج الأمر إلى تخطيط دقيق، وتواصلٍ فعالٍ مع الموظفين، وبناء ثقافةٍ تنظيميةٍ داعمةٍ للتغيير.
قلقٌ وترددٌ من قبل الموظفين:
يشكل قلق الموظفين من تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائفهم، وتفاعلهم مع هذه التقنيات، عائقاً كبيراً أمام تبنيها بنجاح. يجب على الشركات بذل جهودٍ كبيرةٍ لبناء الثقة لدى الموظفين، وتوضيح الفوائد المتوقعة من استخدام الذكاء الاصطناعي، والتأكيد على أن هذه التقنيات ستُحسّن من أدائهم، وليس استبدالهم. يجب التركيز على إعادة تدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم ليتمكنوا من العمل جنباً إلى جنب مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
نقصٌ في الأدوات والعمليات اللازمة لتطوير المهارات:
تفتقر العديد من الشركات إلى الأدوات والعمليات اللازمة لتحديد احتياجاتها من المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطويرها، وتتبعها. يجب على الشركات الاستثمار في برامج تدريبٍ متخصصةٍ، وأنظمةٍ لتتبع المهارات، والتعاون مع المؤسسات التعليمية والبحثية لتطوير الكوادر المؤهلة.
الشركات الرائدة: نموذجٌ للنجاح
على الرغم من التحديات، أظهرت الدراسة أن بعض الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي نجحت في التغلب على هذه العقبات. وتتميز هذه الشركات بإستراتيجياتها المبتكرة في:
إدارة التغيير المؤسسيّ الفعّال:
الشركات الرائدة أكثر احتمالاً بثلاث مرات من غيرها لتنفيذ إستراتيجياتٍ متكاملةٍ لإدارة التغيير المرتبط بالذكاء الاصطناعي. فهي تُعطي الأولوية للتخطيط الدقيق، والتواصل الشفاف، والدعم المستمر للموظفين طوال عملية التحول.
بناء الثقة لدى الموظفين:
تقلّ مخاوف الموظفين في الشركات الرائدة بنسبة 29% مقارنةً بالشركات الأخرى. فهي تُركز على بناء ثقافةٍ تنظيميةٍ داعمةٍ، وتوضيح الفوائد الشخصية والمهنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
توفير الأدوات اللازمة لتطوير المهارات:
تتفوق الشركات الرائدة بنسبة 67% في توفير الأدوات والعمليات اللازمة لتطوير مهارات الموظفين. كما أن أربعة من كل عشرة شركات رائدة لا تواجه أي تحديات تتعلق بالمهارات، وهذا يُعزى إلى استثماراتها الكبيرة في التدريب والتطوير.
التأثيرات العملية و الحلول المقترحة
تُبرز دراسة كيندريل أهمية الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية في مجال الذكاء الاصطناعي. فلا يكفي فقط شراء التقنيات، بل يجب تهيئة البيئة المناسبة لاستخدامها بكفاءة. إليك بعض الحلول العملية التي يجب على الشركات اتباعها:
وضع استراتيجية متكاملة لدمج الذكاء الاصطناعي: يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجية خططاً واضحةً للتدريب والتطوير، وإدارة التغيير، والتواصل مع الموظفين.
إعادة تدريب وتطوير مهارات الموظفين: يجب على الشركات الاستثمار في برامج تدريبٍ متخصصةٍ، وتوفير الفرص للموظفين لتطوير مهاراتهم في مجالات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي، والتعلم العميق، ومعالجة اللغات الطبيعية.
بناء ثقافة تنظيمية داعمة: يجب على الشركات خلق بيئة عملٍ تشجع على الابتكار، وتقبل التغيير، وتُشجّع الموظفين على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.
التعاون مع المؤسسات التعليمية: يجب على الشركات التعاون مع الجامعات والمعاهد لتطوير برامج تعليمية متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتدريب العملي للموظفين.
الاستثمار في أدوات تتبع المهارات: يجب على الشركات استخدام أدواتٍ تقنيةٍ لتتبع مهارات الموظفين، وتحديد احتياجاتهم من التدريب، والتأكد من أنهم يتمتعون بالمهارات اللازمة للعمل بكفاءة.
رؤيةٌ إقليميةٌ: الشرق الأوسط على مفترق طرق
أكد بيتر بيل، نائب الرئيس والمدير التنفيذي في كيندريل في الشرق الأوسط وإفريقيا، على التقدم اللافت الذي تشهده المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي، ودوره المحوري في خطط التحول الرقمي الوطنية. لكنّه شدّد في الوقت نفسه على أهمية جاهزية القوى العاملة، ودعا إلى تعاونٍ مشتركٍ بين المؤسسات الأكاديمية، والحكومات، وشركات التكنولوجيا، لإعداد كوادرٍ بشريةٍ مؤهلةٍ قادرةٍ على الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي بالكامل. يُعتبر هذا التعاون ضرورياً لضمان نجاح استراتيجيات التحول الرقمي في المنطقة، وتحقيق أقصى استفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي.
الاستنتاج: الاستثمار في البشر هو مفتاح النجاح
تُظهر دراسة كيندريل بوضوحٍ أن الاستثمار في التكنولوجيا وحده لا يكفي لضمان نجاح تبني الذكاء الاصطناعي. يجب على الشركات أن تعطي الأولوية لتمكين قواها العاملة من خلال توفير التدريب المناسب، وبناء الثقة، وتنفيذ استراتيجيات فعالة لإدارة التغيير. الشركات التي تستثمر في تطوير مهارات موظفيها هي التي ستتمكن من تحقيق أقصى استفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي، ودفع عجلة النمو والابتكار في عالمٍ يتزايد فيه الاعتماد على هذه التقنيات. يقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التعليمية وشركات التكنولوجيا مسؤوليةً مشتركةً في سدّ فجوة المهارات هذه، وتهيئة الجيل القادم من القادة التقنيين في المنطقة العربية والعالم.