هاتف كوريا الشمالية.. مفاجآت أم تقليد؟

هاتفٌ من كوريا الشمالية يكشفُ عن مستوى مراقبةٍ مُرعب
تاريخ النشر: 6 سبتمبر 2025
آخر تحديث: 12:08 بتوقيت مكة المكرمة
نظرةٌ من الخارج، وواقعٌ مُخيف من الداخل
كشفت تقارير من "نيويورك بوست" و"بي بي سي"، بناءً على تحليل هاتف ذكي مهرب من كوريا الشمالية، عن مستوىٍ مُفزعٍ من المراقبة والتجسس الذي يفرضه نظام كيم جونغ أون على مواطنيه. من الخارج، يبدو الجهاز عادياً، لا يختلف كثيراً عن الهواتف الذكية المتوفرة عالمياً. لكن بمجرد استخدامه، تتكشف آليات مراقبة مُحكمةٌ تُظهر مدى تعمّق سيطرة النظام على حياة الأفراد. هذا الهاتف ليس مجرد أداة اتصال، بل هو أداةٌ لمراقبةٍ مُستمرةٍ وسلاحٌ في حرب النظام على الأفكار المُختلفة.
مراقبةٌ دقيقةٌ عبر خاصية التصحيح التلقائي
أحد أبرز جوانب المراقبة يكمن في خاصية التصحيح التلقائي. فهذه الخاصية، بدلاً من تصحيح الأخطاء الإملائية، تقوم بحذف الكلمات والجُمل التي تُخالف قوانين كوريا الشمالية الصارمة. وتشمل هذه الكلمات والعبارات تلك المرتبطة بكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى اللهجات والتعبيرات الخاصة بها. حتى الكلمات البسيطة التي قد تبدو غير ضارة، يمكن أن تُعرّض المستخدم للمساءلة القانونية، مما يُبرز مدى حساسية النظام لأيّ شكل من أشكال التعبير عن آراء مُعارضة. هذه الخاصية تُظهر بوضوح كيف يُحاول النظام السيطرة على المعلومات المُتداولة بين المواطنين، ومنع أيّ شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي.
التصوير الخفي: مجلدٌ مُغلّقٌ على صورٍ مُخزّنة
لا يتوقف الأمر عند خاصية التصحيح التلقائي. فقد كشفت الاختبارات أن الهاتف يلتقط صورةً للشاشة كل خمس دقائق، ويُخزنها في مجلدٍ مُخفيٍّ لا يستطيع المستخدم الوصول إليه. لكن من المرجّح أن تكون السلطات الكورية الشمالية قادرةً على الوصول إلى هذا المجلد ومُراجعة الصور المُخزّنة فيه. هذه الميزة تُمثل انتهاكاً صارخاً للخصوصية، وتُظهر مدى تعمّق رقابة النظام على حياة المواطنين، حتى في أكثر تفاصيل حياتهم اليومية خصوصية. يُمكن لهذا المجلد أن يُصبح سجلاً مُفصّلاً لجميع أنشطة المستخدم، مما يُعرّضه للمساءلة عن أيّ نشاط يُعتبر غير مُوافق لسياسات النظام.
استبدال "أوبا" بـ "الرفيق": لغةٌ مُحكّمةٌ ومراقبةٌ مُشدّدة
واحدة من الأمثلة المُثيرة للاهتمام تكمن في استبدال كلمة "أوبا" (OPPA)، وهي كلمةٌ شائعة الاستخدام في كوريا الجنوبية، بكلمة "الرفيق". عند استخدام كلمة "أوبا"، يظهر إشعارٌ على الشاشة يُحذّر المستخدم من مخالفة القوانين وعواقبها. هذا يُشير إلى جهود النظام في فرض لغةٍ مُحدّدةٍ والقضاء على أيّ أثرٍ للثقافة الكورية الجنوبية. هذه العملية ليست مجرد تغيير كلمة، بل هي محاولةٌ منهجيةٌ لغسل الأدمغة ومنع أيّ تواصلٍ ثقافيّ مع الجارة الجنوبية.
تقارير "ديلي إن كيه": مصدرٌ مُوثّقٌ من داخل كوريا الشمالية
تُعتمد هذه المعلومات على تقريرٍ مُفصّلٍ من صحيفة "ديلي إن كيه" الكورية الجنوبية، وهي صحيفة معروفة بتغطيتها لأخبار كوريا الشمالية. وقد قامت الصحيفة باختبار الهاتف بعد تهريبه من داخل كوريا الشمالية العام الماضي. هذا يُضفي مصداقيةً عاليةً على المعلومات المُقدّمة، كونها مصدرًا مُباشراً من داخل النظام. يُؤكد هذا التقرير على صعوبة الحصول على معلومات موثوقة من كوريا الشمالية، لكن نجاح تهريب الهاتف واختباره يُعتبر إنجازًا يُسلّط الضوء على حقيقة الوضع داخل البلاد.
مخاوف خبراء الأمن: غسلٌ للأدمغة وحربٌ معلوماتية
أثار هذا الكشف مخاوف خبراء الأمن والمختصين في شؤون كوريا الشمالية. وقد حذّر مارتن وليامز، وهو زميل في مركز ستيمسون بواشنطن العاصمة، من أن الهواتف الذكية أصبحت أداةً أساسيةً في حرب النظام الإعلامية لغسل أدمغة المواطنين. يُشير هذا التحذير إلى أن كوريا الشمالية تُستخدم التكنولوجيا ليس فقط لمراقبة مواطنيها، بل أيضاً لتغيير أفكارهم ومعتقداتهم، مما يجعل من هذه التقنية سلاحًا قويًا في ترسانة النظام. هذه الحرب المعلوماتية تهدف إلى تعزيز الولاء للنظام ومنع أيّ معارضة.
الاستنتاج: مراقبةٌ شاملةٌ وتحدّياتٌ مُستمرة
يكشف الهاتف المهرب من كوريا الشمالية عن مستوى مُرعب من المراقبة والتجسس الذي يفرضه نظام كيم جونغ أون على شعبه. هذه المراقبة لا تقتصر على الكلمات المكتوبة، بل تمتد إلى الصور والمعلومات المُتداولة. يُظهر هذا الهاتف مدى قدرة التكنولوجيا على أن تكون سلاحاً في يد الأنظمة الاستبدادية، ويُبرز الحاجة إلى الوعي بمخاطر هذه التقنيات وتأثيرها على حقوق الإنسان وحرية التعبير. تُمثل هذه القضية تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، ويتطلب الأمر بذل جهودٍ مُكثّفةٍ لحماية الأفراد من هذه أشكال المراقبة المُفرطة. إنّ استمرار مراقبة هذه الأنظمة أمرٌ بالغ الأهمية لفهم طبيعة الحكم الاستبدادي وتأثيره على حياة المواطنين.