وزيرة رقمية دنماركية تهاجم ميتا بسبب إعلاناتها

غضب أولسن: حملة ميتا الإعلانية تثير جدلاً بشأن حماية الأطفال على الإنترنت
مقدمة:
شهدت الساحة الرقمية الأوروبية مؤخراً جدلاً واسعاً حول مسؤولية شركات التواصل الاجتماعي في حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت. وقد اشتعل هذا الجدل على خلفية حملة إعلانية أطلقتها شركة ميتا، المالكة لمنصتي فيسبوك وإنستجرام، دعت فيها إلى تشريعات أوروبية لفرض آليات تحقق من العمر على مستوى متاجر التطبيقات، مما أثار غضب وزيرة الشؤون الرقمية الدنماركية، كارولين ستيج أولسن، التي وصفت الحملة بأنها "كلام فارغ" و"هجوم مباشر" على جهود حماية الأطفال. سنستعرض في هذا التحقيق تفاصيل هذا الجدل، والآراء المتباينة حوله، بالإضافة إلى السياق العام للنقاش حول تنظيم استخدام الأطفال للإنترنت في الاتحاد الأوروبي.
هجوم أولسن على ميتا: "كلام فارغ أم استراتيجية ذكية؟"
أثارت حملة ميتا الإعلانية، التي استخدمت منصات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى الإعلانات التلفزيونية وحتى لوحات الإعلانات في شوارع عواصم أوروبية رئيسية مثل بروكسل وباريس، استياءً شديداً لدى وزيرة الشؤون الرقمية الدنماركية. فقد اعتبرت أولسن، التي ستترأس المفاوضات الأوروبية بشأن تنظيمات جديدة لحماية الأطفال على الإنترنت بدءاً من يوليو المقبل، أن هذه الحملة ما هي إلا محاولة لتفادي مسؤولية ميتا في حماية الأطفال، وأن الشركة تنفق أموالاً طائلة على الإعلانات بدلاً من استثمارها في تطوير تقنيات فعالة للتحقق من عمر المستخدمين.
وصرحت أولسن لـ "بوليتيكو" بأنها "سئمت من الكلام بلا أفعال"، مشددة على أن ميتا، باعتبارها إحدى أقوى الشركات العالمية، يجب أن تستخدم ثروتها الهائلة لحماية الأطفال، بدلاً من صرفها على حملات إعلانية تهدف إلى إلقاء المسؤولية على عاتق متاجر التطبيقات وأنظمة التشغيل. وقد اعتبرت تصريحات أولسن بمثابة هجوم مباشر على ميتا، خاصةً في ظل استعداد الدنمارك لرئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، حيث ستكون حماية الأطفال على الإنترنت من أولوياتها الرئيسية خلال الأشهر الستة القادمة.
ردود ميتا الغامضة: صمت أم استراتيجية تواصل؟
لم تعلق ميتا رسمياً على تصريحات أولسن، وهو ما أثار تساؤلات حول استراتيجية الشركة في التعامل مع هذا الجدل. هل يمثل الصمت اعترافاً ضمنياً بوجود تقصير، أم أنه جزء من استراتيجية تواصل تهدف إلى تهدئة الوضع وتجنب التصعيد؟ يُلاحظ أن حملة ميتا الإعلانية لا تزال مستمرة في بلجيكا والدنمارك وفرنسا وإيطاليا حتى نهاية يونيو، مما يدل على ثقة الشركة في موقفها، ورغبتها في الضغط على صناع القرار الأوروبيين.
خلافات عميقة في صناعة التكنولوجيا: من يتحمل المسؤولية؟
يُبرز هذا الجدل الخلافات العميقة القائمة داخل صناعة التكنولوجيا بشأن آليات حماية الأطفال على الإنترنت. فبينما تدافع ميتا عن موقفها بأن التحقق من العمر يجب أن يكون على مستوى أنظمة التشغيل أو متاجر التطبيقات، تُعارض شركات عملاقة أخرى مثل أبل وجوجل هذا الرأي. تُشير جوجل، على سبيل المثال، في مدونة لها، إلى أن حلول ميتا "تفشل في تغطية أجهزة الكمبيوتر المكتبية أو الأجهزة الأخرى التي تتشارك فيها العائلات"، مما يُبرز قصور هذا النهج في ضمان حماية شاملة للأطفال.
أبعاد تقنية وقانونية: حلول مبتكرة أم قوانين صارمة؟
يُطرح السؤال حول ما إذا كانت الحلول التقنية الحالية كافية لحماية الأطفال على الإنترنت، أم أن الأمر يتطلب قوانين صارمة تلزم شركات التواصل الاجتماعي باتخاذ إجراءات أكثر فعالية. فمن جهة، تُعتبر تقنيات التحقق من العمر مهمة، لكنها ليست كافية وحدها، فهناك حاجة إلى آليات رقابية فعّالة، بالإضافة إلى توعية أولياء الأمور حول مخاطر الإنترنت. من جهة أخرى، يُخشى من أن تُفرض قيود قانونية زائدة قد تُعيق الابتكار وتُحد من حرية التعبير. لذا، يُعتبر إيجاد توازن بين حماية الأطفال وضمان حرية التعبير من أهم التحديات التي تواجه صناع القرار الأوروبيين.
الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق: بين الحماية والابتكار
يواجه الاتحاد الأوروبي ضغطاً متزايداً لاتخاذ إجراءات حازمة لحماية الأطفال على الإنترنت. فقد زاد الاهتمام في بروكسل وعواصم الاتحاد الأوروبي بمسألة صحة الأطفال النفسية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي عليها. يُلاحظ تزايد الدعم لتقييد أو حظر استخدام الأطفال لمنصات التواصل الاجتماعي للحفاظ على سلامتهم النفسية، لكن هذا الأمر يثير جدلاً أخلاقياً وقانونياً واسعاً.
مستقبل تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي: نحو إطار عمل شامل؟
يُتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية تنظيم استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي. فالمطلوب هو إطار عمل شامل، يُراعي الحماية الفعالة للأطفال، مع تجنب فرض قيود زائدة قد تُعيق الابتكار وتُحد من حرية التعبير. ستكون رئاسة الدنمارك لمجلس الاتحاد الأوروبي فرصة لتحقيق تقدم ملموس في هذا المجال، لكن التوصل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف لن يكون أمراً سهلاً. فالتحدي يكمن في إيجاد توازن دقيق بين الحماية وحرية التعبير، بين المسؤولية الاجتماعية لشركات التكنولوجيا و حقوق المستخدمين. وستكون نتائج هذه المفاوضات حاسمة في تشكيل مستقبل التنظيم الرقمي في أوروبا والعالم.