يؤكد الباحثان اختراق اثنين من الصحفيين مع برامج Paragon Spy

اختراق صحفيين أوروبيين باستخدام برنامج تجسس "باراغون": نظرة معمقة على الفضيحة المتصاعدة

في تطور جديد يثير القلق في أوساط الصحافة وحقوق الإنسان، تأكد اختراق جهازي صحفيين أوروبيين باستخدام برنامج تجسس متطور من إنتاج شركة "باراغون" الإسرائيلية. هذه القضية، التي تتكشف فصولها تدريجياً، تلقي بظلالها على حرية الصحافة وتثير تساؤلات حول مدى استخدام الحكومات لبرامج التجسس للتنصت على الصحفيين والمعارضين السياسيين.

الكشف عن الاختراق: تفاصيل جديدة من "ذا سيتيزن لاب"

كشفت مجموعة "ذا سيتيزن لاب" (The Citizen Lab)، وهي منظمة بحثية رائدة في مجال الأمن السيبراني، عن نتائج تحقيق جنائي جديد في اختراق هاتفي صحفيين أوروبيين. أظهرت التحقيقات أن الصحفيين، وهما الصحفي الإيطالي سيرو بيليغرينو وصحفي أوروبي آخر لم يتم الكشف عن هويته بعد، تعرضا للاختراق باستخدام برنامج "باراغون" للتجسس.

يعتبر هذا الكشف بالغ الأهمية لعدة أسباب. أولاً، يؤكد استخدام برنامج "باراغون" في استهداف الصحفيين، مما يضيف بعداً جديداً إلى قائمة برامج التجسس الحكومية التي تستخدم للتنصت على الأفراد. ثانياً، يضع هذا الكشف علامات استفهام حول مدى انتشار استخدام هذا البرنامج وتأثيره على حرية الصحافة في أوروبا.

من هو "باراغون" وما هو برنامج التجسس الخاص به؟

"باراغون" هي شركة إسرائيلية متخصصة في تطوير تقنيات المراقبة والتجسس. تقوم الشركة بتطوير وبيع برامج تجسس متطورة للحكومات والوكالات الأمنية. تسمح هذه البرامج للمستخدمين بالتجسس على أجهزة الضحايا، بما في ذلك الوصول إلى الرسائل، وجهات الاتصال، والمكالمات، وحتى تفعيل الكاميرا والميكروفون دون علم المستخدم.

برنامج التجسس الذي طورته "باراغون"، والمعروف باسم "جرافايت" (Graphite)، يعتبر من البرامج المتطورة للغاية. يعتمد على استغلال الثغرات الأمنية في أنظمة التشغيل والأجهزة لاختراقها. بمجرد تثبيت البرنامج على جهاز الضحية، يصبح من الممكن مراقبة جميع أنشطته عبر الإنترنت، وجمع المعلومات الحساسة، وحتى التحكم في الجهاز عن بعد.

سيرو بيليغرينو: الصحفي المستهدف

سيرو بيليغرينو، الصحفي الإيطالي الذي يعمل في موقع "فانبيج" (Fanpage) الإخباري، هو أحد الصحفيين الذين تم استهدافهم. تلقى بيليغرينو إشعاراً من شركة "أبل" في نهاية أبريل الماضي، يحذره من هجوم ببرنامج تجسس. ومع ذلك، لم يذكر الإشعار اسم "باراغون" أو يؤكد إصابة هاتفه بالبرنامج.

يعمل بيليغرينو كرئيس لمكتب "فانبيج" في نابولي. وقد صرح بأنه يشعر بأن حقوقه المدنية قد "دُهست". يثير هذا التصريح تساؤلات حول دوافع الاختراق وما إذا كان مرتبطاً بعمله الصحفي.

تساؤلات حول تورط الحكومة الإيطالية

يثير الكشف عن اختراق بيليغرينو تساؤلات حول دور الحكومة الإيطالية في هذه القضية. في السابق، نفت الحكومة الإيطالية تورطها في استهداف الصحفيين أو نشطاء حقوق الإنسان. ومع ذلك، يشير تقرير "ذا سيتيزن لاب" إلى أن الحكومة الإيطالية قد تكون على علم باستخدام برنامج "باراغون" للتجسس، وربما تكون قد استخدمته لاستهداف الصحفيين.

نشرت لجنة برلمانية إيطالية، تُعرف باسم "كوباسير" (COPASIR)، تقريراً في وقت سابق ذكرت فيه أنه لم يتم العثور على دليل على تجسس على زميل بيليغرينو، فرانشيسكو كانسيلاتو، مدير "فانبيج". ومع ذلك، يتناقض هذا التقرير مع نتائج تحقيق "ذا سيتيزن لاب"، مما يثير شكوكاً حول مدى دقة تحقيقات الحكومة الإيطالية.

السياق الأوسع: فضيحة برامج التجسس في أوروبا

تأتي هذه التطورات في سياق أوسع من فضائح برامج التجسس التي هزت أوروبا في السنوات الأخيرة. في عام 2021، اكتشف أن برنامج "بيغاسوس" (Pegasus) من شركة "إن إس أو" الإسرائيلية قد استخدم للتجسس على صحفيين ونشطاء سياسيين في العديد من البلدان، بما في ذلك فرنسا والمجر وبولندا.

تثير هذه الفضائح قلقاً متزايداً بشأن استخدام الحكومات لبرامج التجسس للتنصت على المعارضين السياسيين وتقويض حرية الصحافة. كما تسلط الضوء على الحاجة إلى تنظيم أكثر صرامة لقطاع برامج التجسس، وضمان المساءلة والشفافية في استخدام هذه التقنيات.

ردود الفعل والتداعيات المحتملة

أثارت هذه القضية ردود فعل قوية من الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان. طالب الصحفيون بإجراء تحقيق شامل في القضية، ومحاسبة المسؤولين عن الاختراق. كما دعت منظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات لمنع إساءة استخدام برامج التجسس وحماية حرية الصحافة.

من المتوقع أن يكون لهذه القضية تداعيات كبيرة. قد تؤدي إلى مزيد من التحقيقات في استخدام برنامج "باراغون" في أوروبا، وقد تؤثر على العلاقات بين إسرائيل والدول الأوروبية. كما قد تؤدي إلى زيادة الوعي بأهمية الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية.

أهمية حماية الصحفيين

تعتبر حماية الصحفيين أمراً بالغ الأهمية في أي مجتمع ديمقراطي. يلعب الصحفيون دوراً حيوياً في كشف الحقائق ومساءلة السلطات. عندما يتم استهداف الصحفيين ببرامج التجسس، فإن ذلك يمثل تهديداً خطيراً لحرية الصحافة وحق الجمهور في الحصول على المعلومات.

يجب على الحكومات والمنظمات الدولية اتخاذ إجراءات لحماية الصحفيين من التجسس والمضايقات. ويشمل ذلك تعزيز قوانين حماية الصحفيين، وتوفير التدريب والدعم التقني لهم، وضمان المساءلة والشفافية في استخدام تقنيات المراقبة.

مستقبل حرية الصحافة في ظل التهديدات السيبرانية

تواجه حرية الصحافة تحديات متزايدة في العصر الرقمي. مع تطور تقنيات المراقبة والتجسس، أصبح الصحفيون أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى. يجب على الصحفيين والمنظمات الصحفية والجهات الفاعلة الأخرى العمل معاً للتصدي لهذه التهديدات وحماية حرية الصحافة.

يتطلب ذلك تبني ممارسات أمنية أفضل، بما في ذلك استخدام أدوات التشفير، وتدريب الصحفيين على الأمن السيبراني، والتعاون مع خبراء الأمن السيبراني. كما يتطلب ذلك الضغط على الحكومات لوضع قوانين ولوائح تحمي الصحفيين من التجسس والمضايقات.

الخلاصة: دعوة إلى العمل

إن قضية اختراق الصحفيين الأوروبيين باستخدام برنامج "باراغون" هي بمثابة دعوة إلى العمل. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني اتخاذ إجراءات فورية لحماية الصحفيين وحماية حرية الصحافة. يجب إجراء تحقيقات شاملة في هذه القضية، ومحاسبة المسؤولين عن الاختراق. كما يجب اتخاذ إجراءات لمنع إساءة استخدام برامج التجسس في المستقبل. إن حماية الصحفيين هي حماية للديمقراطية وحقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى