يقوم مؤسس DeviantArt بعمل عرض 22000 دولار للفن الرقمي

"لاير" (Layer): تحفة أنجيلو سوتيرا الجديدة تعيد تعريف عرض الفن الرقمي الفاخر

مقدمة: من "ديفينت آرت" إلى آفاق جديدة للفن الرقمي

في عالم يتسارع فيه الاندماج بين الفن والتكنولوجيا، تبرز مبادرات رائدة تسعى لإعادة تشكيل الطريقة التي نتفاعل بها مع الإبداع الرقمي. ومن بين هذه المبادرات، يأتي الكشف عن مشروع "لاير" (Layer)، وهو شاشة عرض مصممة خصيصًا للفن الرقمي، من قبل أنجيلو سوتيرا، المؤسس الملهم لمنصة "ديفينت آرت" (DeviantArt) الشهيرة. قبل خمسة وعشرين عامًا، عندما كان سوتيرا لا يزال في سن المراهقة، أطلق "ديفينت آرت"، ليؤسس بذلك مجتمعًا حيويًا ومؤثرًا لملايين الفنانين الرقميين في أوائل الألفية الثالثة. واليوم، وبعد ربع قرن من تلك البداية الرائدة، يعود سوتيرا ليضع بصمته مجددًا في عالم الفن الرقمي، ولكن هذه المرة بتركيز عميق على كيفية عرض هذه الأعمال الفنية وتقديمها للجمهور بأبهى صورها.

لطالما كان التحدي الأكبر للفن الرقمي يكمن في وسيلة عرضه. فبينما يمكن للوحة زيتية أن تُعلّق على جدار وتُشاهد بجمالها الأصيل، فإن العمل الفني الرقمي غالبًا ما يجد نفسه محصورًا داخل حدود شاشات الكمبيوتر، أو الهواتف الذكية، أو أجهزة التلفاز التي لم تُصمم في الأساس لتقديم الفن بأقصى جودة وديناميكية. هنا يأتي دور "لاير" كحل جذري، فهو ليس مجرد شاشة، بل هو "لوحة قماشية" رقمية فاخرة مصممة خصيصًا لتحقيق أقصى درجات الجودة البصرية والاندماج الجمالي مع البيئة المحيطة. وبسعر يبلغ 22,000 دولار أمريكي، يُرسل "لاير" رسالة واضحة حول فئته المستهدفة وطموحه في أن يكون المعيار الذهبي لعرض الفن الرقمي الراقي.

تطور الفن الرقمي: من الهواية إلى الاستثمار الفاخر

لنفهم أهمية "لاير"، يجب أن نستعرض المسيرة التي قطعها الفن الرقمي. في بداياته، كان الفن الرقمي يُنظر إليه غالبًا على أنه هواية أو وسيلة تجريبية، يمارسها فنانون يستخدمون برامج مثل فوتوشوب أو أدوات التصميم ثلاثي الأبعاد لإنشاء أعمالهم. منصات مثل "ديفينت آرت" لعبت دورًا محوريًا في هذه المرحلة، حيث وفرت مساحة للفنانين لعرض أعمالهم، والتفاعل مع بعضهم البعض، وتطوير مهاراتهم في مجتمع عالمي. لقد كانت بمثابة بوتقة صهر للإبداع الرقمي، وشهدت ولادة أجيال من الفنانين الذين أتقنوا استخدام الأدوات الرقمية.

ومع مرور الوقت، ومع التقدم الهائل في تكنولوجيا الشاشات والمعالجات الرسومية، بدأ الفن الرقمي يكتسب شرعية أكبر في الأوساط الفنية التقليدية. ظهور تقنيات مثل الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) في السنوات الأخيرة، وإن لم تكن محور تركيز "لاير" المباشر، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء على قيمة الملكية الرقمية وإمكانية بيع وشراء الأعمال الفنية الرقمية كأصول حقيقية. هذا التطور فتح الباب أمام شريحة جديدة من المستثمرين وهواة جمع الفن، الذين يبحثون عن طرق مبتكرة لعرض مقتنياتهم الرقمية الثمينة.

تحدي العرض: لماذا "لاير" مختلف؟

يُشير سوتيرا إلى أن "الطريقة التي تحتاج بها اللوحة القماشية إلى الأداء والتصرف في حياتك تختلف تمامًا عن أنواع الشاشات الأخرى". هذا التصريح يلامس جوهر المشكلة. فمعظم الشاشات المتاحة للمستهلكين، حتى تلك الفاخرة، تُصمم لأغراض متعددة: مشاهدة الأفلام، تصفح الإنترنت، ممارسة الألعاب. حتى تلفزيون "ذا فريم" (The Frame) من سامسونج، الذي يُعد أقرب نقطة مرجعية للمستهلك العادي، والذي يُحاول محاكاة اللوحة الفنية المعلقة على الجدار عند إيقاف تشغيله، لا يُلبي طموح سوتيرا.

يكمن الاختلاف الجوهري في أن "لاير" ليس منتجًا استهلاكيًا عامًا، ولا يحاول محاكاة اللوحات الثابتة أو الصور الفوتوغرافية التقليدية. بدلاً من ذلك، هو مصمم خصيصًا لعرض نوع معين من الفن الرقمي، وهو الفن التوليدي القائم على الكود (code-based generative art). هذا النوع من الفن ليس مجرد صورة أو فيديو يتم تشغيله، بل هو برنامج حاسوبي يُنتج أعمالًا فنية ديناميكية تتغير وتتطور بمرور الوقت وفقًا للخوارزميات المبرمجة.

الفن التوليدي والذكاء الاصطناعي: تمييز جوهري

عندما يتحدث سوتيرا عن الفن الرقمي الذي يستهدفه "لاير"، فإنه لا يشير إلى التصوير الفوتوغرافي الرقمي أو مقاطع الفيديو التقليدية. "لاير" يتعاون مع مئات الفنانين مثل كيسي رياس (Casey Reas)، الذي يُعرف بأعماله في الفن التوليدي القائم على الذكاء الاصطناعي. وهنا يأتي التمييز الحاسم الذي يحرص سوتيرا على توضيحه: هذا ليس الفن التوليدي الذي تنتجه نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT) التي قد تستخدم أعمال فنانين آخرين دون موافقتهم.

بدلاً من ذلك، يقوم العديد من هؤلاء الفنانين بكتابة برامجهم الخاصة لإنشاء أعمال فنية رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتتغير بمرور الوقت وفقًا لما يُمليه الكود. هذا يعني أن العمل الفني ليس ثابتًا، بل هو كيان حي يتفاعل مع الزمن أو حتى مع مدخلات معينة، مما يجعله تجربة فريدة في كل مرة يُعرض فيها. هذا النوع من الأعمال الفنية، مثل معظم برامج الذكاء الاصطناعي، يتطلب قدرًا كبيرًا من قوة المعالجة لتنفيذه وعرضه بسلاسة. وهذا جزء أساسي من سبب ارتفاع تكلفة "لاير"؛ فهو يحتاج إلى قدرة تقنية هائلة (وحدة معالجة رسومية GPU قوية) لعرض هذه الأنواع الجديدة من الأعمال بدقة كاملة ودون أي خوارزميات ضغط قد تؤثر على جودتها الأصلية. يُوضح سوتيرا: "أنت تنظر إلى تاريخ يمتد لأكثر من 35 عامًا من الفنانين الاستثنائيين الذين يطورون وسيط الفن القائم على الكود، وفي الأساس، يتم التحكم في وحدات البكسل على الشاشة بواسطة الكود الذي تمت كتابته والذي يعمل مباشرة على وحدة معالجة الرسوميات تلك، مما يجعله يُعرض بدقة كاملة. إنه يتحكم فعليًا في كل بكسل، لذلك لا يمر بأي خوارزميات ضغط."

تجربة المستخدم والاندماج الجمالي: "توصيل وتشغيل ونسيان"

يُدرك سوتيرا جيدًا أنه ليس أول رائد أعمال يحاول ابتكار طريقة أفضل لعرض الفن الرقمي. فخلال فترة عمله في "ديفينت آرت"، كانت تُعرض عليه باستمرار أفكار لمنتجات مشابهة لـ "لاير". ولكن بفضل هذه التجارب، عرف ما كان ينقص المنتجات التي عُرضت عليه في الماضي. يرتكز أحد المبادئ الأساسية التي وجهت تصميم "لاير" على البساطة والاعتمادية: "يمكنك توصيله وتشغيله وتركه وشأنه، ويجب أن يعرف كيف يقوم بتسلسل الأعمال الفنية لك."

في تجربته الشخصية، كان سوتيرا يستمتع بالعبث بهذه الأجهزة لبضعة أسابيع، ولكن سرعان ما يصبح تحديث الشاشة أمرًا مملًا. لذلك، أراد أن تكون "لوحته القماشية" الخاصة به أكثر استدامة ذاتيًا. هذا يعني أن "لاير" لا يحتاج إلى تدخل مستمر من المستخدم لتغيير الأعمال الفنية أو صيانتها. يُفترض أن يكون جهازًا يندمج بسلاسة في حياة مالكه، ويُقدم تجربة فنية متجددة دون عناء. "سيبقى على جدارك لمدة خمس سنوات، لذا يجب أن يؤدي دوره بشكل جيد جدًا في حياتك"، هكذا يؤكد سوتيرا. هذا التركيز على التجربة طويلة الأمد والراحة يضع "لاير" في فئة المنتجات الفاخرة التي تُقدر القيمة الزمنية للمستخدم وتُقدم حلولًا متكاملة.

نموذج الأعمال: تمكين الفنانين أولاً

على الرغم من أن "لاير" يبدو كمنتج باهظ الثمن ومخصص جدًا، إلا أن بعض أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين يراهنون عليه بقوة. ففي مرحلة التخفي، جمعت الشركة الناشئة 5.7 مليون دولار من التمويل من شركات استثمارية مثل "إكسبا فينتشرز" (Expa Ventures)، و"هيومن فينتشرز" (Human Ventures)، و"سلاوسون آند كو" (Slauson & Co.)، بالإضافة إلى مستثمرين ملائكيين بارزين مثل المؤسس المشارك لتويتر إيفان ويليامز (Evan Williams) والمؤسس المشارك لـ "بيهانس" (Behance) سكوت بيلسكي (Scott Belsky). هذا الدعم المالي الكبير يُشير إلى ثقة كبيرة في رؤية سوتيرا وإمكانات السوق التي يستهدفها "لاير".

لكن طموحات الشركة تتجاوز مجرد بيع الأجهزة لعرض الفن. مع كل لوحة "لاير" يقتنيها المالك، يحصل على اشتراك يتيح له الوصول إلى مجموعة واسعة من الأعمال الفنية من الفنانين الرقميين الذين يتعاون معهم "لاير". والأهم من ذلك، يتم دفع حقوق ملكية لهؤلاء الفنانين بناءً على مقدار الوقت الذي تُعرض فيه أعمالهم على الشاشات. هذه الفلسفة تُعيد تأكيد التزام سوتيرا بدعم المجتمع الفني، وهو مبدأ أساسي لطالما ميز "ديفينت آرت". "نحن نضع الفنانين أولاً، وهذا هو جوهر مهمة وفلسفة لاير"، يقول سوتيرا. هذا النموذج يُعد خطوة مهمة نحو توفير دخل مستدام للفنانين الرقميين، ويُعزز من قيمة عملهم في سوق ناشئ.

آفاق الفن الرقمي في المنطقة العربية: فرص "لاير"

تُشهد المنطقة العربية اهتمامًا متزايدًا بالفن الرقمي، مدفوعًا بالتحول الرقمي الشامل، وتزايد الوعي بالتقنيات الحديثة، ونمو الاقتصاد الإبداعي. فمع تزايد عدد الفنانين الرقميين والمصممين في دول الخليج وشمال إفريقيا، وظهور معارض فنية تركز على الفن التكنولوجي، يزداد الطلب على حلول عرض مبتكرة تُبرز جمال هذه الأعمال. يمكن لـ "لاير" أن يجد سوقًا واعدة في المنطقة، خاصة بين هواة جمع الفن الأثرياء، والمؤسسات الفنية، والفنادق الفاخرة، والمساحات التجارية الراقية التي تسعى لدمج الفن المعاصر والتكنولوجيا في تصاميمها الداخلية.

كما أن التركيز على الفن التوليدي القائم على الكود، والذي يُنتج أعمالًا فنية ديناميكية ومتغيرة، يتناسب مع الذوق العربي الذي يُقدر الجماليات المتجددة والتجارب الحسية الغنية. يمكن لـ "لاير" أن يُصبح منصة لعرض أعمال فنانين عرب مبدعين في هذا المجال، مما يُساهم في إثراء المشهد الفني الرقمي في المنطقة ويُقدم لهم فرصًا جديدة للوصول إلى جمهور عالمي وتقدير مالي عادل.

التحديات والمستقبل

بطبيعة الحال، يواجه "لاير" تحديات. السعر الباهظ يجعله منتجًا حصريًا لشريحة معينة، مما يحد من انتشاره الواسع. كما أن تثقيف السوق حول مفهوم "الفن التوليدي القائم على الكود" وتمييزه عن الأشكال الأخرى من الفن الرقمي يُعد مهمة مستمرة. ومع ذلك، فإن رؤية أنجيلو سوتيرا الواضحة، وخبرته الطويلة في بناء مجتمعات فنية رقمية، والدعم المالي الذي حصلت عليه الشركة، تُشير إلى إمكانات نمو كبيرة.

في الختام، يُمثل "لاير" أكثر من مجرد شاشة عرض فاخرة؛ إنه بيان حول مستقبل الفن الرقمي. إنه جسر بين الإبداع البشري وقوة الحوسبة، ومحاولة جادة لرفع مكانة الفن الرقمي في المساحات المادية التي نعيش فيها. من خلال التركيز على الجودة التي لا تضاهى، وتجربة المستخدم السلسة، والنموذج الذي يضع الفنان أولاً، يُقدم أنجيلو سوتيرا رؤية جريئة لكيفية دمج الفن الرقمي بشكل أصيل وجميل في حياتنا اليومية، مُمهدًا الطريق لعصر جديد من التقدير والاحتفاء بالتحف الفنية التي تولد من رحم الكود والذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى