تاريخ وتطور ساعات Samsung الذكية من Gear S إلى Galaxy Watch

شكلت سامسونج على مدار عقد من الزمان مسار سوق الساعات الذكية، مقدمةً ابتكارات رائدة وتصاميم متنوعة. بدأت رحلتها في هذا المجال قبل وقت طويل من أن تصبح الساعات الذكية أجهزة شائعة، واستمرت في تطوير منتجاتها بشكل مستمر، من الساعات الأولى التي كانت مجرد امتداد للهاتف، وصولاً إلى الأجهزة المتطورة القادرة على تتبع الصحة واللياقة بشكل دقيق والعمل بشكل شبه مستقل. هذه المسيرة لم تكن خطية تماماً، بل شهدت تحولات مهمة في استراتيجية الشركة ومنصات التشغيل المستخدمة، مما عكس التغيرات في متطلبات المستخدمين وسوق التقنية الأوسع. تتبع هذه الرحلة يكشف الكثير عن تطور الأجهزة القابلة للارتداء والاتجاهات المستقبلية المحتملة.

البدايات: سلسلة Gear S وساعات Tizen

كانت ساعات سامسونج الأولى تحت علامة "Gear" بمثابة تجارب جريئة في سوق ناشئ. قبل Gear S، قدمت الشركة نماذج مثل Galaxy Gear التي واجهت تحديات في الاستخدام والبطارية. لكن مع إطلاق Gear S، بدأت سامسونج في تحديد رؤيتها للساعة الذكية كجهاز أكثر استقلالية وقدرة.

Gear S: أول ساعة مستقلة

في عام 2014، أطلقت سامسونج ساعة Gear S، التي تميزت بشاشة منحنية كبيرة ونظام تشغيل Tizen الخاص بالشركة. كانت السمة الأبرز لهذه الساعة هي قدرتها على الاتصال بشبكات 3G، مما سمح لها بإجراء واستقبال المكالمات والرسائل النصية وتصفح الإنترنت دون الحاجة إلى هاتف ذكي قريب. هذا المستوى من الاستقلالية كان نقطة بيع فريدة في ذلك الوقت، رغم أن الحجم والاعتماد على Tizen الذي كان يفتقر إلى تطبيقات واسعة كانا من التحديات.

تطور التصميم والأداء: Gear S2 و Gear S3

شهدت سلسلة Gear تحولاً كبيراً مع Gear S2 في عام 2015. قدمت Gear S2 تصميماً دائرياً أنيقاً وميزة مبتكرة للغاية: الإطار الدوار المادي للتنقل في الواجهة. هذه الميزة لاقت استحساناً كبيراً لبديهيتها وسهولة استخدامها، وأصبحت علامة مميزة لساعات سامسونج لعدة سنوات. عملت Gear S2 أيضاً بنظام Tizen، لكن مع واجهة مستخدم محسنة وتوفر تطبيقات أكثر قليلاً. تبعتها Gear S3 في عام 2016، والتي حافظت على الإطار الدوار وحسنت الأداء والبطارية، مع تقديم طراز Frontier بتصميم أكثر قوة وطراز Classic بتصميم تقليدي. ركزت Gear S3 بشكل أكبر على تتبع اللياقة البدنية والدفع عبر الهاتف (Samsung Pay).

استمرت سامسونج في تطوير نظام Tizen لساعاتها، مضيفةً ميزات جديدة وتحسينات في الأداء وكفاءة استهلاك الطاقة. كانت ساعات Gear في هذه المرحلة منافساً قوياً في سوق الساعات الذكية، خاصة لمستخدمي هواتف أندرويد، بفضل تصميمها المميز وواجهتها السلسة. ومع ذلك، ظل التحدي الأكبر هو محدودية نظام Tizen من حيث عدد وجودة التطبيقات المتاحة مقارنة بمنصات أخرى مثل watchOS من آبل.

التحول إلى Galaxy Watch

في عام 2018، قررت سامسونج إعادة تسمية ساعاتها الذكية، لتحل علامة "Galaxy Watch" محل "Gear". هذا التغيير لم يكن مجرد تغيير اسم، بل كان جزءاً من استراتيجية أوسع لتوحيد علاماتها التجارية تحت مظلة "Galaxy" المعروفة بهواتفها الذكية الشهيرة. كانت الخطوة تهدف إلى خلق تجربة متكاملة ومترابطة بين أجهزة سامسونج المختلفة، وتعزيز الوعي بساعاتها الذكية كجزء أساسي من منظومة Galaxy.

ولادة علامة Galaxy Watch التجارية

أطلقت سامسونج أول ساعة تحت الاسم الجديد، ببساطة "Galaxy Watch"، في أغسطس 2018. حافظت هذه الساعة على الكثير من الميزات المحبوبة من سلسلة Gear S3، بما في ذلك الإطار الدوار المادي ونظام Tizen. قدمت Galaxy Watch تحسينات في الأداء وعمر البطارية، وتوفرت بحجمين مختلفين (42 مم و 46 مم) لتناسب معاصم متنوعة. ركزت الساعة على تقديم تجربة شاملة تشمل تتبع اللياقة البدنية المتقدم، إدارة الإشعارات، والقدرة على إجراء المكالمات والرد على الرسائل (في طراز LTE).

التركيز على اللياقة: سلسلة Galaxy Watch Active

إدراكاً منها للحاجة إلى ساعات ذكية تركز بشكل أكبر على الرياضة واللياقة البدنية وتكون أخف وزناً وأقل تكلفة، قدمت سامسونج سلسلة Galaxy Watch Active في عام 2019. تميزت Galaxy Watch Active بتصميم أنيق وبسيط يفتقر إلى الإطار الدوار المادي (مع وجود إطار رقمي للملاحة)، مما جعلها أخف وأنحف. ركزت هذه السلسلة على تتبع النشاط البدني والنوم ومستويات التوتر، مع واجهة مستخدم مبسطة.

تبعها بسرعة Galaxy Watch Active 2 في أواخر عام 2019، والتي أعادت تقديم الإطار الدوار، ولكن هذه المرة كإطار رقمي حساس للمس حول حافة الشاشة، مما جمع بين جمال التصميم البسيط وسهولة الملاحة. أضافت Active 2 أيضاً مستشعرات صحية جديدة مثل تخطيط القلب الكهربائي (ECG) وقدرات أفضل لتتبع الجري. هذه السلسلة عززت مكانة سامسونج في سوق الساعات الذكية التي تجمع بين الأناقة والقدرات الرياضية.

العودة للتصميم الكلاسيكي والابتكار: Galaxy Watch 3

في عام 2020، عادت سامسونج إلى علامتها التجارية الرئيسية مع Galaxy Watch 3. هذه الساعة اعتبرت وريثة Galaxy Watch الأصلية وسلسلة Gear S3، حيث أعادت تقديم الإطار الدوار المادي المحبوب بتصميم أكثر أناقة ورفاهية. جمعت Watch 3 بين أفضل ما في السلسلتين: تصميم كلاسيكي، إطار دوار مادي، وقدرات صحية ورياضية متقدمة موروثة من سلسلة Active 2، مثل ECG ومستشعر SpO2 لقياس مستوى الأكسجين في الدم. استمرت Watch 3 في العمل بنظام Tizen، مما يظهر استمرار سامسونج في دعم منصتها الخاصة في ذلك الوقت.

قفزة نوعية: الانتقال إلى Wear OS

كانت النقلة الأكثر أهمية في تاريخ ساعات سامسونج الذكية هي قرارها بالانتقال من نظام التشغيل Tizen الخاص بها إلى نظام Wear OS من جوجل، ولكن بنسخة مطورة بالتعاون بين الشركتين تُعرف باسم "Wear OS Powered by Samsung". هذا التحول الاستراتيجي غير قواعد اللعبة بالنسبة لساعات سامسونج الذكية ومستقبل نظام Wear OS بشكل عام.

Galaxy Watch 4: نقطة التحول

في عام 2021، أطلقت سامسونج سلسلة Galaxy Watch 4، والتي كانت أول ساعاتها التي تعمل بنظام Wear OS الجديد. هذا الانتقال جلب معه أكبر ميزة كانت تفتقر إليها ساعات سامسونج التي تعمل بنظام Tizen: نظام بيئي غني بالتطبيقات. أصبح بإمكان مستخدمي Galaxy Watch 4 الوصول إلى متجر Google Play على معصمهم، مما يتيح لهم تثبيت تطبيقات شهيرة مثل Google Maps وGoogle Pay والعديد من تطبيقات اللياقة البدنية والإنتاجية التي لم تكن متاحة على Tizen.

لم يقتصر التغيير على نظام التشغيل؛ قدمت Galaxy Watch 4 أيضاً مستشعر BioActive الجديد من سامسونج، القادر على قياس تكوين الجسم (نسبة الدهون والعضلات في الجسم) بالإضافة إلى تتبع معدل ضربات القلب وتخطيط القلب. توفرت السلسلة بطرازين رئيسيين: Galaxy Watch 4 بتصميم عصري وبسيط (مع إطار رقمي اختياري)، و Galaxy Watch 4 Classic التي أعادت الإطار الدوار المادي المحبوب. شكلت هذه السلسلة بداية حقبة جديدة لساعات سامسونج الذكية، حيث جمعت بين عتاد سامسونج المتطور ونظام تشغيل غني بالتطبيقات.

تحسينات مستمرة: Galaxy Watch 5 و Galaxy Watch 6

بناءً على نجاح Galaxy Watch 4، واصلت سامسونج تطوير ساعاتها الذكية مع سلسلة Galaxy Watch 5 في عام 2022 وسلسلة Galaxy Watch 6 في عام 2023. حافظت هذه الأجيال اللاحقة على نظام Wear OS Powered by Samsung، مع التركيز على تحسين الأداء، زيادة عمر البطارية، وتقديم مستشعرات صحية أكثر دقة.

قدمت Galaxy Watch 5 تحسينات في متانة الشاشة باستخدام زجاج الياقوت، ومستشعر درجة حرارة جديد (استخداماته الأولية كانت محدودة لكنها تزايدت مع التحديثات)، وبطارية أكبر قليلاً. كما قدمت طراز Pro ببطارية ضخمة ومواد بناء أكثر متانة، مخصصاً للمغامرين ومحبي الرياضات الخارجية.

جاءت Galaxy Watch 6 بتحسينات في حجم الشاشة (أكبر وأكثر سطوعاً مع حواف أنحف)، ومعالج أسرع، وتحسينات في تتبع النوم واللياقة البدنية. أعادت Watch 6 أيضاً تقديم طراز Classic مع الإطار الدوار المادي الشهير، بعد أن غاب في سلسلة Watch 5 الأساسية. هذه الأجيال أظهرت التزام سامسونج بنظام Wear OS واستمرارها في تطوير الأجهزة والبرمجيات لتقديم تجربة مستخدم متكاملة ومنافسة.

التقنيات الأساسية والميزات عبر الأجيال

على مدار تطورها، اعتمدت ساعات سامسونج الذكية على مجموعة من التقنيات الأساسية التي تطورت وتحسنت مع كل جيل. الشاشات كانت دائماً نقطة قوة، حيث استخدمت سامسونج شاشات Super AMOLED دائرية عالية الجودة منذ Gear S2، والتي توفر ألواناً زاهية وسوداء عميقة ورؤية جيدة تحت أشعة الشمس.

تتبع اللياقة البدنية والصحة كان محورياً. بدأت بمستشعرات بسيطة لتتبع الخطوات ومعدل ضربات القلب، وتطورت لتشمل تتبع النوم المتقدم، قياس مستوى الأكسجين في الدم (SpO2)، تخطيط القلب الكهربائي (ECG)، وحتى قياس تكوين الجسم. أضافت الأجيال الأحدث مستشعرات درجة الحرارة وقدرات أفضل لتتبع التمارين المختلفة تلقائياً.

الاتصال كان ميزة أساسية، حيث توفرت معظم الطرازات بخيارات Bluetooth/Wi-Fi وطرازات LTE مستقلة. الدفع عبر الهاتف (Samsung Pay ثم Google Pay) كان ميزة مهمة منذ الأجيال الأولى. مقاومة الماء والغبار أصبحت معياراً، مما يسمح باستخدام الساعات أثناء السباحة.

عمر البطارية ظل تحدياً مستمراً في سوق الساعات الذكية بشكل عام، وساعات سامسونج ليست استثناءً. على الرغم من التحسينات في كفاءة الأجهزة والبرمجيات، فإن إضافة المزيد من الميزات والشاشات الأكثر سطوعاً يضع ضغطاً على البطارية، وتتطلب معظم الطرازات الشحن اليومي أو كل يومين حسب الاستخدام.

البرمجيات، سواء Tizen أو Wear OS مع واجهة One UI Watch، لعبت دوراً حاسماً في تجربة المستخدم. ركزت سامسونج على تقديم واجهات سهلة الاستخدام، ودمج سلس مع هواتف Galaxy، وقدرات تخصيص واسعة. الانتقال إلى Wear OS فتح الباب لتكامل أعمق مع خدمات جوجل ونظام أندرويد الأوسع.

النظرة المستقبلية والخلاصة

لقد قطعت ساعات سامسونج الذكية شوطاً طويلاً منذ أيام Gear S الأولى. لقد تطورت من أجهزة تجريبية ذات قدرات محدودة إلى ساعات ذكية متطورة تجمع بين الأناقة، تتبع الصحة الشامل، ونظام بيئي غني بالتطبيقات بفضل الانتقال إلى Wear OS. أظهرت سامسونج قدرة على الابتكار، سواء في التصميم (الإطار الدوار) أو في التقنيات الصحية الجديدة.

في المستقبل، من المتوقع أن تستمر سامسونج في التركيز على تحسينات الأداء، زيادة عمر البطارية، وتطوير مستشعرات صحية أكثر تقدماً ودقة (ربما قياس ضغط الدم أو السكر في الدم بشكل غير جراحي، وهي تقنيات لا تزال قيد التطوير). كما سيكون التحدي هو تحسين تجربة Wear OS وواجهة One UI Watch لتقديم أداء أكثر سلاسة وكفاءة. تظل سامسونج لاعباً رئيسياً في سوق الساعات الذكية، خاصة لمستخدمي أندرويد، وتنافس بقوة في هذا المجال المتنامي. رحلتها من Gear S إلى Galaxy Watch هي قصة نجاح في التكيف مع متطلبات السوق وقيادة الابتكار في فئة الأجهزة القابلة للارتداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى