ثورة تكنولوجية في تحديد مواقع خث أيرلندا

ثورة في رسم خرائط أراضي الخث في أيرلندا: دقة غير مسبوقة لحماية البيئة ومكافحة التغير المناخي
تُعَدّ أراضي الخث (الأراضي الرطبة) من أهم النظم البيئية على كوكب الأرض، لما لها من دور حيوي في تخزين الكربون وتنظيم دورة المياه والحفاظ على التنوع البيولوجي. لكنّ هذه النظم البيئية الهشة تواجه تهديدات متزايدة نتيجة التغيّر المناخي والأنشطة البشرية، خاصةً في أيرلندا حيث تُغطي مساحات شاسعة. وقد أحدث باحثون أيرلنديون ثورة في مجال حماية هذه الأراضي من خلال تطوير تقنية متقدمة لرسم خرائطها بدقة غير مسبوقة، مما يفتح آفاقًا جديدة في جهود مكافحة التغيّر المناخي.
تقنية متطورة لرسم خرائط أراضي الخث
قياسات إشعاع جاما من منظور جوي
اعتمد الفريق البحثي في جامعة مدينة جالواى على تقنية مبتكرة تعتمد على قياسات إشعاع جاما. وخلافاً للطرق التقليدية، لم يعتمد الباحثون على المسوحات الأرضية المرهقة والبطيئة، بل استخدموا مستشعراً جوياً مثبتاً على متن طائرة حلّقت على ارتفاعات منخفضة فوق أراضي أيرلندا على مدى عشر سنوات. وقد تم تمويل هذا المسح الجيوفيزيائي الجوي من قبل الدولة الأيرلندية، مما يعكس أهمية هذا المشروع الوطني في سياق مكافحة التغيّر المناخي. تتميز هذه التقنية بقدرتها على اختراق الطبقات السطحية للتربة، مما يسمح بتحديد نوع التربة بدقة عالية، حتى في المناطق المغطاة بالنباتات. فإشعاع جاما المنبعث من الصخور والتربة يختلف باختلاف تركيبها، وتتميز تربة الخث بانخفاض مستوى إشعاع جاما عنها مقارنةً بأنواع التربة الأخرى الغنية بالمعادن.
دقة غير مسبوقة وتحديد المناطق الانتقالية
أظهرت النتائج زيادة ملحوظة في مساحة الأراضي المصنفة كأراضي خثية، بنسبة تقارب 30% مقارنةً بالخرائط السابقة. ولأول مرة، تمكن الباحثون من تحديد "المناطق الانتقالية" بدقة عالية. هذه المناطق، التي غالباً ما تكون مغطاة بالغابات أو المراعي، تمثل مناطق انتقالية بين الأراضي الخثية والأراضي المعدنية. وتكمن أهمية تحديد هذه المناطق في فهم كيفية تغير خصائص التربة وتأثيرها على تخزين الكربون. فأراضي الخث تحتفظ بالكربون بكفاءة عالية عندما تكون مغمورة بالمياه، بينما تطلق ثاني أكسيد الكربون عند تصريف المياه منها، وهو ما يمثل تهديداً كبيراً للمناخ. تُتيح هذه الدقة العالية في رسم الخرائط اتخاذ قرارات مدروسة بشأن إدارة الأراضي، وتحديد المناطق التي تتطلب تدخلات لحماية أراضي الخث والحفاظ على وظيفتها البيئية.
أهمية الدراسة وتأثيرها على سياسات المناخ في أيرلندا
الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري
تُعتبر أراضي الخث مخازن هائلة للكربون، تضاهي كمية الكربون المخزنة في الغابات الاستوائية. لذلك، فإنّ الحفاظ على هذه الأراضي أمر بالغ الأهمية في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد أشارت عالمة الجيوفيزياء إيف دالي إلى أن الخرائط الدقيقة لأراضي الخث ستساهم في اتخاذ قرارات أفضل بشأن إدارة الأراضي، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. فمعرفة مواقع أراضي الخث بدقة عالية يسمح بتطبيق سياسات بيئية فعالة، مثل منع تصريف المياه من هذه المناطق، واعتماد تقنيات زراعية مستدامة تحافظ على سلامة هذه النظم البيئية.
التزام أيرلندا بأهداف المناخ الأوروبية
يُعتبر استخدام الأراضي، خاصةً الزراعة وتصريف مياه أراضي الخث، من المصادر الرئيسية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أيرلندا. وتواجه أيرلندا ضغوطاً كبيرة لتحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي في خفض الانبعاثات بنسبة تزيد عن 50% بحلول عام 2030. وقد حذر تقرير مستقل من غرامات باهظة قد تصل إلى 30 مليار يورو إذا أخفقت أيرلندا في تحقيق هذه الأهداف. وتُعتبر استعادة آلاف الهكتارات من أراضي الخث وترطيبها مجدداً من الإجراءات الضرورية للحد من انبعاثات الكربون بشكل كبير. تُساهم هذه الدراسة بشكل كبير في توفير البيانات اللازمة لتحديد هذه المناطق وتخطيط استراتيجيات فعالة لاستعادتها.
الأبعاد العالمية للدراسة: أهمية أراضي الخث عالمياً
تدهور أراضي الخث ومساهمته في التغير المناخي
يُسهم تدهور أراضي الخث بنحو 5% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، وفقاً لما ذكره الدكتور تريفين كوجانتي، خبير الزراعة البيئية بجامعة آرهوس في الدنمارك. لذلك، فإنّ التقييم الدقيق لحدود أراضي الخث ليس فقط مهمًا لأيرلندا، بل يُعدّ ضرورياً ضمن المبادرات الدولية لاستعادة هذه النظم البيئية الحيوية. تُبرز هذه الدراسة الأيرلندية أهمية التعاون الدولي في مجال حماية أراضي الخث، وتبادل الخبرات والتقنيات المتقدمة في هذا المجال.
مستقبل أراضي الخث والحفاظ على التنوع البيولوجي
تُعتبر أراضي الخث من أكثر النظم البيئية أهمية على كوكب الأرض، لما لها من دور في تخزين الكربون، وتنظيم المياه، ودعم التنوع البيولوجي. إنّ حماية هذه الأراضي ليست فقط مسألة بيئية، بل تُعتبر ضرورية لضمان استدامة الكوكب ومستقبل الأجيال القادمة. إنّ التقنية المتقدمة التي طورتها جامعة مدينة جالواى تُمثل خطوة هامة في هذا الاتجاه، وتُفتح آفاقاً جديدة في مجال حماية أراضي الخث حول العالم. يُتوقع أن تُساهم هذه التقنية في تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للحفاظ على هذه النظم البيئية الحيوية، وتقليل آثار التغيّر المناخي. إنّ نجاح هذه الدراسة يُشجع على المزيد من الاستثمار في البحث العلمي وتطوير التقنيات المتقدمة لحماية البيئة ومكافحة التغيّر المناخي.