الصين تتحدى أمريكا: سباق رقائق الذكاء

سباق الصين المحموم: بناء منظومة مستقلة لرقائق الذكاء الاصطناعي في ظل الحصار الأمريكي
تُواجه الصين تحديًا هائلاً في مساعيها لبناء منظومة مستقلة لتصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي، خاصةً في ظل القيود الأمريكية الصارمة المفروضة على وصولها لأحدث تقنيات أشباه الموصلات. لكن هذا الحصار، بدلاً من أن يُثبط عزيمة بكين، حفّزها على تسريع وتيرة تطويرها التكنولوجي، مُشكّلاً دافعًا قويًا لبناء بدائل وطنية.
تحديات ضخمة في سلسلة التوريد
نقص في المكونات الأساسية
تُعاني الصين من نقص حادّ في العديد من المكونات الأساسية اللازمة لتصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة. فبالإضافة إلى نقص معدات التصنيع المتطورة، تفتقر بكين إلى رقائق الذاكرة عالية النطاق (High Bandwidth Memory – HBM) الضرورية لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة. تُسيطر شركات عالمية عملاقة مثل "إس كي هاينيكس"، "سامسونج"، و"مايكرون" على سوق هذه الرقائق، وتخضع جميعها للقيود الأمريكية. وتُمثّل هذه السيطرة تحديًا رئيسيًا أمام طموحات الصين في هذا المجال.
التخلف في تكنولوجيا التصنيع
تُعاني الشركات الصينية، وعلى رأسها شركة "SMIC" (شركة صناعة أشباه الموصلات الصينية)، من تخلف واضح مقارنةً بعمالقة التصنيع العالمية مثل "TSMC" التايوانية. فبينما تمكنت "SMIC" من إنتاج شرائح بدقة 7 نانومتر، إلا أن إنتاجها بكميات كبيرة وبتكلفة تنافسية يُمثّل تحديًا هائلاً. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى غياب المعدات الضرورية، خاصةً آلات الطباعة الحجرية المتقدمة (EUV Lithography) التي تُنتجها شركة "ASML" الهولندية، والتي تخضع لضوابط تصدير أمريكية صارمة. يُحظر بيع هذه المعدات، اللازمة لتصنيع رقائق متطورة على مستوى 3 نانومتر، على الصين.
جهود صينية حثيثة: بين التصميم والتصنيع
هواوي في طليعة السباق
تُعتبر شركة "هواوي" من أبرز اللاعبين في هذا السباق المحموم. فعبر ذراعها "HiSilicon"، تسعى "هواوي" لتطوير بدائل محلية، أبرزها شريحة "Ascend 910C". وتشير التقارير إلى أن أداء هذه الشريحة يقترب من أداء شريحة "H20" التي طورتها "إنفيديا" خصيصاً للسوق الصيني للالتفاف على القيود الأمريكية. لكن هذا التقدم لا يُخفي التحديات الجمة التي تواجهها الشركة، خاصةً في مجال التصنيع.
الاعتماد على البدائل المحلية
في محاولة لتجاوز العقبات، بدأت الصين في الاعتماد على شركات محلية مثل "CXMT" لإنتاج رقائق ذاكرة HBM، كما دخلت شركة "Tongfu Microelectronics" على خط تغليف واختبار الرقائق. تهدف هذه الجهود إلى بناء منظومة متكاملة محلية، لكنها ستحتاج إلى سنوات، بل وعقود، لتصل إلى مستوى التنافسية المطلوبة. كما تسعى "هواوي" للتعاون مع شركات محلية مثل "SiCarrier" لتطوير بدائل محلية لمعدات التصنيع، لكنّ المحللين يُشيرون إلى أن هذا الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً.
الحصار الأمريكي: حافزٌ أم عائق؟
يُثير الحصار الأمريكي جدلاً واسعاً. فبينما تهدف الإجراءات الأمريكية إلى كبح الطموحات التكنولوجية الصينية، يُرى على نقيض ذلك أنها حفزت القطاع المحلي على الابتكار والتسريع في بناء بدائل وطنية. يُؤكد بول تريولو، نائب رئيس شركة DGA-Albright Stonebridge Group، أن الإجراءات الأمريكية "حفزت القطاع المحلي رغم الصعوبات، مما دفع شركات مثل هواوي إلى مضاعفة جهودها".
مستقبل السباق: الطريق لا يزال طويلاً
لا شك أن الصين لا تزال تفتقر إلى التقنيات المتقدمة الكاملة التي تُمكّنها من منافسة الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة في سباق الذكاء الاصطناعي. لكن بوادر التقدم واضحة، خصوصاً في مجالات التصميم والتطوير. يُعتبر هذا السباق معركة تكنولوجية حاسمة، ستحدد ملامح مستقبل التكنولوجيا على الصعيد العالمي، وسيُحدد مدى نجاح الصين في تجاوز التحديات الراهنة مستقبل هيمنتها التكنولوجية. فبينما تُواصل بكين جهودها الحثيثة، يبقى السؤال الأبرز: متى ستتمكن الصين من تجاوز هذه العقبات وتحقيق الاستقلالية التكنولوجية في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي؟