إيقاف لاسلكي يحمي خصوصيتك

تعطيل الوظائف اللاسلكية: درعٌ للخصوصية في عالمٍ رقميّ متّصل
آخر تحديث: 14:09 (توقيت مكة المكرمة) – 12/6/2025
يُعتبر الاتصال الدائم بتقنيات لاسلكية كالـ GPS و Wi-Fi و Bluetooth ميزةً مُغريةً لمعظم مستخدمي الأجهزة الذكية، إلا أن هذه الراحة تأتي بثمنٍ قد يكون باهظاً: الخصوصية. فقد حذّرت هيئة اختبار السلع والمنتجات الألمانية (Stiftung Warentest) مؤخراً من مخاطر ترك هذه الوظائف قيد التشغيل بشكلٍ دائم، مُوصيةً بإيقافها إلا عند الحاجة الماسة، وذلك حفاظاً على البيانات الشخصية من الاستغلال غير المُبرّر.
لماذا إيقاف GPS و Wi-Fi و Bluetooth؟
حماية الخصوصية و الحد من تتبع الموقع
تُعدّ نقطة الضعف الرئيسية في إبقاء هذه التقنيات مُفعّلةً هي سهولة جمع بيانات الموقع. فبمجرد تشغيل GPS، تُرسل هواتفنا الذكية إحداثيات دقيقة لموقعنا في كل لحظة، مما يُمكّن التطبيقات والشركات من تتبع تحركاتنا ورسم خريطةٍ كاملةٍ لأنشطتنا اليومية. ولا يقتصر الأمر على GPS فقط، بل إنّ Wi-Fi و Bluetooth يُساهمان أيضاً في بناء صورةٍ مُفصلةٍ عن أنماط حياتنا، من خلال رصد شبكات Wi-Fi المُتصلة بها و الأجهزة القريبة التي تعمل بتقنية Bluetooth. هذه البيانات، التي قد تبدو بسيطةً في ظاهرها، تُشكّل معاً صورةً دقيقةً عن أنماط حياتنا، ويمكن استخدامها لأغراضٍ تسويقيةٍ أو حتى لأهدافٍ خبيثة. فبإمكان الجهات المُتطفلة استخدام هذه المعلومات لإستهدافنا بالإعلانات المُستهدفة أو حتى التخطيط لعمليات سرقة أو نصب.
تحسين عمر البطارية
إلى جانب مخاطر الخصوصية، يُؤثّر تشغيل هذه الوظائف بشكلٍ دائم على عمر البطارية. فالبحث الدائم عن إشارات GPS و Wi-Fi و Bluetooth يُستهلك قدرًا كبيرًا من طاقة البطارية، وخاصةً في المناطق ذات الإشارة الضعيفة. ويمكن توفير دقائقٍ ثمينةٍ من عمر البطارية، خاصةً في حالات الطوارئ، من خلال تعطيل هذه الوظائف عندما لا تكون ضرورية. فإيقافها يقلل من استهلاك الطاقة بشكلٍ ملحوظ، ما يُطيل من عمر البطارية بشكلٍ ملموس.
منع إنشاء ملفات تعريف الحركة
أشار الخبراء الألمان إلى قدرة الشركات المُطوّرة للتطبيقات وأنظمة التشغيل على تخزين بيانات الحركة، بل وحتى إنشاء ملفات تعريفٍ مُفصلةٍ عن تحركات المستخدمين، وذلك من خلال تتبع بيانات الموقع المُجمعة عبر هذه التقنيات. هذه الملفات تُستخدم لفهم سلوك المستخدمين بشكلٍ أفضل، مما يُمكّن الشركات من استهدافهم بإعلاناتٍ مُخصصةٍ بشكلٍ أدقّ. ولكن، هذا التتبع المُستمر يُثير تساؤلاتٍ جديةً حول الخصوصية، خاصةً في ظلّ غياب الشفافية الكاملة حول كيفية استخدام هذه البيانات.
وظيفة "تحسين دقة الموقع" و مخاطرها
تُعزّز وظيفة "تحسين دقة الموقع" (High Accuracy Location) في أنظمة Android و iOS من دقة تحديد الموقع، وذلك من خلال الجمع بين بيانات GPS وبيانات شبكات Wi-Fi وأبراج الهاتف المحمول، بالإضافة إلى بيانات من مُستشعرات الهاتف مثل مقياس التسارع والجيروسكوب. بينما تُحسّن هذه الوظيفة من دقة الخرائط وتطبيقات الملاحة، إلا أنها تُجمع كميةً هائلةً من البيانات الشخصية، مما يزيد من مخاطر انتهاك الخصوصية. لذلك ينصح بإيقاف هذه الوظيفة إلا عند الحاجة القصوى.
Bluetooth: بوابةٌ محتملةٌ للقراصنة
تُعتبر تقنية Bluetooth من التقنيات اللاسلكية الشائعة، إلا أنها ليست خاليةً من الثغرات الأمنية. وقد كشف باحثو الأمن عن العديد من نقاط الضعف في هذه التقنية، والتي قد تُمكّن القراصنة من اختراق الهواتف الذكية والسيطرة عليها. لذلك، يُنصح بإيقاف تشغيل Bluetooth عندما لا يتم استخدامه، مثل عدم الاستماع إلى الموسيقى عبر سماعات الرأس اللاسلكية أو تتبع الأغراض عبر أجهزة التتبع.
إدارة إعدادات الخصوصية في الأجهزة الذكية
تُتيح معظم الهواتف الذكية، سواءً التي تعمل بنظام Android أو iOS، إمكانية تعطيل GPS و Wi-Fi و Bluetooth بسهولةٍ من خلال قائمة الإعدادات السريعة. ولكن، تجدر الإشارة إلى أن تعطيل هذه الوظائف في بعض الأجهزة قد يكون مؤقتاً، حيث قد تُفعّل تلقائياً بعد فترةٍ من الزمن. لضمان إيقافها بشكلٍ كامل، قد يتطلب الأمر الدخول إلى قائمة الإعدادات الرئيسية للهاتف.
الاختيار الحذر للتطبيقات
يلعب اختيار التطبيقات دوراً حاسماً في حماية الخصوصية. فمن الضروري اختيار التطبيقات بعنايةٍ، والاقتصار على تثبيت التطبيقات الضرورية فقط. فالتطبيقات غير المُستخدمة قد تقوم بجمع البيانات وإرسالها دون علم المستخدم، كما أشار مفوض حماية البيانات في ولاية نوردراين فستفالن الألمانية. عند تثبيت تطبيقاتٍ جديدة، يجب التحقق بعنايةٍ من الأذونات المُطلوبة، وعدم منح حقوق الوصول إلى البيانات الحساسة مثل التقويم وجهات الاتصال والنشاط البدني وبيانات الموقع إلا عند الضرورة القصوى.
الخلاصة: الموازنة بين الراحة والأمان
في ختام هذا المقال، نؤكد على أهمية الموازنة بين الراحة التي تُوفرها التقنيات اللاسلكية ومخاطرها على الخصوصية. فبإمكاننا الاستفادة من هذه التقنيات بشكلٍ آمنٍ وفعالٍ من خلال تعطيلها عندما لا تكون ضرورية، والتحكم في أذونات التطبيقات المُثبتة على هواتفنا. إنّ حماية الخصوصية مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين المُستخدمين ومُطوري التطبيقات والشركات التقنية، والتوعية بأهمية هذه المسألة هي الخطوة الأولى نحو عالمٍ رقميّ أكثر أماناً وخصوصية.