روبلوكس.. جيل جبان وعنيف؟

روبلوكس: هل تُصنّع هذه اللعبة جيلاً جباناً وعنيفاً؟ دراسة في الآثار النفسية على الأطفال
تُشغل لعبة روبلوكس ملايين الأطفال حول العالم، لكن وراء واجهتها الملونة البراقة، تثير تساؤلاتٍ جدية حول آثارها النفسية طويلة المدى. هل تُسهم روبلوكس حقاً في بناء شخصياتٍ سوية، أم أنها تُسهم في تشكيل جيلٍ جبانٍ وعنيف كما يدّعي البعض؟ سنستعرض في هذا التحقيق آراء خبراء نفسيين واجتماعيين، ونُحلّل بعض الدراسات، لنصل إلى فهمٍ أعمق لهذه الظاهرة المعقدة.
تحذير الخبراء: آثار نفسية مدمرة محتملة
حذّرت الدكتورة زينب أحمد نجيب، الخبيرة الاجتماعية واستشارية العلاقات النفسية وتطوير الذات، من الآثار السلبية المحتملة للعبة روبلوكس على صحة الأطفال النفسية. وأكّدت في تصريحاتٍ خاصة أن الإفراط في اللعب قد يُؤدي إلى اضطراباتٍ نفسية خطيرة، مُشدّدةً على الارتباط الوثيق بين الإدمان على روبلوكس وزيادة معدلات القلق والأرق لدى الأطفال. كما أشارت إلى احتمالية ارتفاع خطر الإصابة باضطراباتٍ اجتماعية، مثل التوحد، الانطوائية، والعزلة، وحتى اضطراب الشخصية التجنبي.
علامات تدل على الإدمان وآثاره السلبية
وليس مجرد قضاء وقت طويل أمام الشاشة هو العلامة الوحيدة على الإدمان، بل هناك علامات أخرى تدل على أن الطفل يُعاني من آثار سلبية نتيجة الإفراط في لعب روبلوكس. من هذه العلامات:
التنمر السيبراني: يُمكن أن يتعرّض الطفل للتنمر داخل اللعبة، مما يُؤثّر سلباً على ثقته بنفسه ويُزرع فيه مشاعر الخوف والقلق.
التأخر الدراسي: يُؤدي الإدمان على اللعبة إلى إهمال الدراسة، مما يُسبّب تأخراً دراسياً واضحاً.
غياب الطفل عن المدرسة: قد يُفضّل الطفل البقاء في المنزل للعب روبلوكس بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.
تغيّر دائرة الأصدقاء: يُمكن أن يُفضّل الطفل التواصل مع أصدقائه داخل اللعبة على التواصل مع أصدقائه في الحياة الواقعية.
السلوك العدواني: قد يُصبح الطفل أكثر عدوانيةً نتيجة التعرض للعنف الافتراضي داخل اللعبة.
إهمال المظهر الشخصي: قد يُهمل الطفل مظهره الخارجي نتيجة انغماسه في عالم اللعبة الافتراضي.
جيل جبان أم جيل عنيف؟ مخاوفٌ مُبرّرة
تُثير الدكتورة نجيب مخاوفَ جدية حول إمكانية تربية جيلٍ جبانٍ أو جيلٍ عنيف نتيجة الإدمان على ألعابٍ مثل روبلوكس. فبدلاً من بناء شخصياتٍ سوية قادرة على مواجهة تحديات الحياة، قد تُسهم هذه الألعاب في زرع الخوف والقلق أو العدوانية والتمرد في نفوس الأطفال. وتُضيف أن هذه السلوكيات المكتسبة من اللعبة قد تُؤثّر سلباً على قدرة الطفل على اتخاذ القرارات ومواجهة الصعوبات في الحياة الواقعية.
دور الأسرة في الوقاية والعلاج
لا يقتصر دور الأسرة على مراقبة الطفل فقط، بل يتعداه إلى لعب دورٍ محوري في الوقاية من الآثار السلبية للعبة روبلوكس. وتُنصح الأسرة باتباع الخطوات التالية:
الحوار المفتوح: يُعتبر الحوار المفتوح مع الطفل عن تجاربه داخل اللعبة خطوةً أساسيةً لفهم مشاعره ومخاوفه.
المشاركة في الأنشطة: يُنصح بتشجيع الطفل على المشاركة في أنشطةٍ متنوعة بعيداً عن شاشة الكمبيوتر، مثل الرياضة، القراءة، والهوايات الأخرى.
قبول الاختلاف: يجب على الأسرة قبول اختلافات الطفل واحترام ميوله، دون اللجوء إلى العنف أو الضغط.
التعامل بحكمة مع الأزمات: في حال تعرض الطفل لأزمةٍ نفسية نتيجة اللعبة، يجب على الأسرة التعامل بحكمة وهدوء، وتوفير بيئةٍ آمنةٍ تُشعره بالثقة والأمان. فلا وقت لللوم أو العقاب، بل للبحث عن حلولٍ فعّالةٍ للمشكلة.
التوازن بين العالمين الافتراضي والواقعي: يُعتبر تحقيق التوازن بين العالمين الافتراضي والواقعي أمراً بالغ الأهمية، حيث يجب على الأسرة أن تُشجّع الطفل على التفاعل مع بيئته الحقيقية وتكوين علاقاتٍ اجتماعيةٍ قوية.
الحد من وقت اللعب: يجب وضع حدودٍ زمنيةٍ واضحةٍ لوقت اللعب، والتأكد من أن الطفل لا يُهمل واجباته الدراسية أو الاجتماعية.
المتابعة المستمرة: يُنصح بمراقبة سلوك الطفل عن كثب، والبحث عن أي علاماتٍ تدل على الإدمان أو التأثر السلبي باللعبة.
دور التكنولوجيا في تعزيز السلوكيات الإيجابية
رغم المخاوف المُحيطة بلعبة روبلوكس، إلا أنه لا يجب إغفال إمكانية استخدام التكنولوجيا بشكلٍ إيجابي في تعزيز السلوكيات الإيجابية لدى الأطفال. فالتكنولوجيا أداةٌ ذات حدّين، ويمكن استخدامها لبناء مهاراتٍ إبداعيةٍ واجتماعيةٍ لدى الأطفال، مثل التعاون والعمل الجماعي. لكن يجب أن يكون استخدام التكنولوجيا تحت إشرافٍ واعيٍ من قبل الكبار، مع التركيز على اختيار الألعاب المناسبة والتي تُعزز القيم الإيجابية.
الخاتمة: التوازن هو الحل الأمثل
في الختام، تُمثّل لعبة روبلوكس، كغيرها من الألعاب الإلكترونية، سلاحاً ذا حدّين. فبينما تُقدّم تجربة ترفيهية مُمتعة، إلا أنها تُحمل في طياتها مخاطرَ نفسيةً مُحتملةً يجب أخذها بعين الاعتبار. ويكمن الحل الأمثل في تحقيق التوازن بين الاستمتاع بالتكنولوجيا وبين حماية الأطفال من آثارها السلبية، من خلال دورٍ فاعلٍ من قبل الأسرة والمدرسة والمجتمع. وذلك من خلال توفير بيئةٍ داعمةٍ تُشجّع الأطفال على التفاعل الإيجابي مع التكنولوجيا، وتُنمّي قدراتهم الإبداعية والاجتماعية، دون أن تُعرّضهم لمخاطر الإدمان والآثار النفسية السلبية.