وصول أجهزة سام ألتمان لعلاج القرنية لبريطانيا

أجهزة سام ألتمان لمسح القرنية: ثورةٌ رقميةٌ أم تهديدٌ للخصوصية؟
تُثير شركة "وورلد" (World)، المدعومة من قبل سام ألتمان، مؤسس "أوبن إيه آي" (OpenAI)، جدلاً واسعاً في المملكة المتحدة وأوروبا مع إطلاقها لخدمة مسح القرنية للحصول على عملة "وورلد كوين" (World Coin) والهوية الرقمية "وورلد آي دي" (World ID). فبينما تُروّج الشركة لخدماتها كخطوة ثورية نحو هوية رقمية آمنة وموثوقة، تُثير مخاوفٌ جديةً حول خصوصية البيانات وسلامة المعلومات الحيوية.
التقنية وراء "وورلد آي دي": مزيجٌ من التكنولوجيا والغموض
تعتمد تقنية "وورلد آي دي" على مسح فريد لقرنية العين، وهو ما يُعتبر أسلوباً جديداً للتحقق من الهوية الرقمية، يُزعم أنه أكثر أماناً من الطرق التقليدية المعتمدة على المستندات الورقية أو حتى بصمات الأصابع. يُشير أدريان لودفيج، كبير المهندسين في شركة "تولز فور هيومانتي" (Tools For Humanity)، المطورة لتقنية "وورلد"، إلى أن هذا النظام يُساعد على التمييز بين البشر والروبوتات في الفضاء الرقمي، خاصةً مع ازدياد المحتوى المُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي. ووفقاً للودفيج، فإن "وورلد آي دي" تُمكّن المستخدمين من ربط محتواهم الرقمي بهويتهم، مما يُثبت أصالة المحتوى ويُسهل التعاملات الرقمية مع البنوك والهيئات الحكومية.
آلية عمل الجهاز ومدى دقته
يُعتبر الجهاز المستخدم في مسح القرنية بمثابة "جهاز تصوير حيوي" يُلتقط صورة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة لقرنية العين. ووفقاً للشركة، تُخزّن هذه البيانات بشكل مُشفر على جهاز محلي خاص بالشخص، وليس على خوادم الشركة، مما يُقلّل من مخاطر اختراق البيانات. لكن يُثير هذا التصريح تساؤلات حول مدى مقاومة هذه الأجهزة للاختراق، وكيفية ضمان حماية البيانات في حال ضياع أو سرقة الجهاز. كما يُطرح سؤالٌ حول مدى دقة التقنية في التمييز بين الأشخاص، وإمكانية حدوث أخطاء في التعريف أو التطابق.
الاستثمارات الضخمة والشكوك المحيطة بالربحية
حازت شركة "وورلد" على استثمارات ضخمة بلغت 135 مليون دولار، مع مشاركة أسماء بارزة في عالم التكنولوجيا والاستثمار، من بينهم ريد هوفمان، مؤسس "لينكد إن"، وسام بنكمان فرايد، مؤسس منصة "إف تي سي" (FTX) السابقة. إلا أن الشركة لم تحقق أي أرباح ملموسة حتى الآن، وتُركز جهودها حالياً على جمع البيانات وبناء قواعد بياناتها. وهذا يُثير تساؤلات حول نموذج الأعمال المستقبلي لـ"وورلد"، وكيفية تحقيق الربح من هذه الخدمة، خاصةً مع التركيز على توفير خدمة مجانبة للمستخدمين.
النموذج الاقتصادي الغامض
يُعد النموذج الاقتصادي لـ "وورلد" من أكثر الجوانب غموضاً. فبجانب عملة "وورلد كوين"، لا توجد خطة واضحة للتحقيق في الأرباح على المدى الطويل. هل تعتمد الشركة على بيع البيانات المُجمعة، أو على شراكات مع الكيانات الحكومية والتجارية؟ يُحتاج إلى مزيد من الشفافية في هذا الخصوص لإزالة الغموض المحيط بأهداف الشركة الطموحة.
الخصوصية والبيانات الحيوية: مخاوفٌ قانونيةٌ وأخلاقيةٌ
أثارت تقنية مسح القرنية مخاوف واسعة حول الخصوصية وحماية البيانات الحيوية. فقد خضعت الشركة لتحقيق من قبل مكتب بافاريا لمراقبة حماية البيانات في ألمانيا، لدراسة آلية استخدام البيانات البيومترية في إسبانيا والبرتغال. وتُبرز هذه التحقيقات أهمية وضع إطارٍ تشريعيٍ صارمٍ للحماية من سوء استخدام هذه البيانات الحساسة.
التحديات القانونية والرقابية
تواجه شركة "وورلد" تحدياتٍ قانونيةٍ كبيرة في أوروبا، حيث تُشدد اللوائح على حماية البيانات الشخصية والبيانات البيومترية. فهل تستطيع الشركة الالتزام بمقتضيات قوانين حماية البيانات كـ"جي دي بي آر" (GDPR) في الاتحاد الأوروبي؟ ويُطرح سؤالٌ حول كيفية ضمان عدم استخدام هذه البيانات في أغراضٍ غير مشروعة، أو بيعها لأطرافٍ ثالثة.
الخاتمة: بين الابتكار والمخاطر
تُمثل تقنية "وورلد" قفزةً نوعيةً في مجال الهوية الرقمية، لكنها تُثير في الوقت نفسه مخاوفاً جديةً حول الخصوصية والتعامل مع البيانات الحساسة. يُحتاج إلى مزيد من الشفافية والمساءلة من قبل الشركة، وإلى إطارٍ تشريعيٍ صارمٍ يُنظم استخدام هذه التقنيات الحديثة ويُحمي حقوق المستخدمين. فبينما نُرحّب بالتطورات التكنولوجية، يجب ألا نتغافل عن المخاطر المحتملة وعدم التهاون في حماية البيانات الشخصية والبيانات البيومترية. فمستقبل الهوية الرقمية يتطلب توازناً دقيقاً بين الابتكار والحماية.