نيويورك تُحارب كوارث الذكاء الاصطناعي

نيويورك تتصدى لمخاطر الذكاء الاصطناعي بقانون "RAISE": ثورة تنظيمية أم عقبة أمام الابتكار؟

يُشهد العالم سباقاً محموماً نحو تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما أثار مخاوف متزايدة بشأن استخدامها المُسْتَقبَلِيّ وآثاره المحتملة. وفي خطوةٍ تُعَدّ بمثابة سِبْقٍ تشريعيّ، مرّر مشرّعو ولاية نيويورك مشروع قانونٍ جديدٍ يُعرف باسم "RAISE" (مسؤولية الذكاء الاصطناعي والتقييم والسلامة)، يهدف إلى فرض رقابةٍ صارمةٍ على نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وذلك قبل وقوع أيّ كوارثٍ محتملة.

قانون "RAISE": معايير جديدة للسلامة والأمان

الهدف الرئيسي: منع الكوارث

يهدف قانون "RAISE" إلى وضع معايير جديدة ملزمة لشركات التكنولوجيا الكبرى، مثل "OpenAI" و"غوغل" و"أنثروبيك"، لمنع تقنيات الذكاء الاصطناعي من التسبب بكوارث قد تُسفر عن خسائر بشرية أو مادية ضخمة. حدد القانون عِتبةً للكوارث بحيث تشمل الحوادث التي تُسفر عن مئات الضحايا أو خسائر مالية تتجاوز مليار دولار. وهذا يعكس إدراكاً متزايداً للمخاطر الكامنة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بلا ضوابطٍ صارمة.

التزامات الشركات: شفافية ومسؤولية

يُلزم القانون شركات التكنولوجيا بإعداد وتقديم تقارير مفصلة حول سلامة وأمان نماذج الذكاء الاصطناعي التي تطوّرها. كما يُلزمها بالإبلاغ عن أيّ حوادث أو أخطاء غير متوقعة في سلوك هذه النماذج، أو أيّ محاولات لاختراقها أو سرقة تقنياتها. وتُعَدّ هذه الشفافية عاملًا أساسياً في ضمان الاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتقليل المخاطر المحتملة.

العقوبات: رسالة صارمة لشركات التكنولوجيا

يُعاقب القانون أيّ شركة تُخالف أحكامه بغرامة تصل إلى 30 مليون دولار. هذه الغرامة الضخمة تُظهر جدية ولاية نيويورك في معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي وحماية المواطنين. وهي رسالة واضحة لشركات التكنولوجيا بأنّ الالتزام بمعايير الآمان ليس أمرًا اختيارياً، بل واجبٌ قانونيّ.

آراء متضاربة: بين الدعم والمعارضة

الدعم: خبراء يُرحبون بالتنظيم

حظي قانون "RAISE" بدعم من شخصياتٍ بارزةٍ في مجال الذكاء الاصطناعي، منهم جيفري هينتون، الحائز على جائزة نوبل، ويوشوا بينجيو، أحد الرواد في أبحاث الذكاء الاصطناعي. يُؤكد هؤلاء الخبراء على أهمية وضع ضوابطٍ صارمةٍ لمنع استخدام الذكاء الاصطناعي في أغراضٍ ضارة. ويُشدّدون على أنّ التنظيم لا يُعيق الابتكار، بل يُسهم في توجيهه نحو مساراتٍ أكثر أماناً.

المعارضة: مخاوف من تأثيره على الابتكار

على الجانب الأخر، واجَه القانون معارضةً شديدَةً من شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون، ووصفته بعض الشركات بأنه "قانون غبيّ". تخشى هذه الشركات من أنّ القانون قد يُعيق الابتكار ويُضعف منافسة أمريكا العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. وتُشير إلى أنّ القيود التنظيمية قد تُدفع الشركات إلى نقل أبحاثها وتطويرها إلى أماكن أقلّ صرامةً في القوانين.

التركيز على الشركات الكبرى: حماية الابتكار الصغير

يُحاول مشرّعو نيويورك التخفيف من هذه المخاوف بالتأكيد على أنّ القانون لا يستهدف الشركات الناشئة أو الباحثين الأكاديميين، بل يركّز على النماذج التي تتطلب موارد حوسبة تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار. هذا الشرط يُحدّد نطاق القانون ليشمل الشركات العملاقة فقط، مع السعي إلى عدم إعاقة الابتكار في المجال.

التحديات المستقبلية: هل سيكون "RAISE" نموذجاً لغيره؟

من أبرز الانتقادات الموجهة لقانون "RAISE" احتمالية امتناع شركات التكنولوجيا عن إطلاق أحدث نماذجها في نيويورك لتجنّب القيود الجديدة، مما يُشبه ما حدث في أوروبا مع لوائح الاتحاد الأوروبي الصارمة. ولكن مشرّعي نيويورك يُؤكّدون أنّ انسحاب شركات التكنولوجيا من سوق نيويورك، كثالث أكبر اقتصاد في الولايات المتحدة، لن يكون قراراً سهلاً.

ينتظر مشروع القانون الآن مصادقة الحاكمة كاثي هوشول، وإذا تمّ اعتماده، فقد يُمهّد الطريق لتشريعاتٍ مماثلةٍ في ولاياتٍ أخرى، مُعيداً ترتيب قواعد اللعبة بين المشرّعين وشركات الذكاء الاصطناعي العملاقة. سيكون مُستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي مُتعلقاً بشكلٍ كبير بمصير هذا القانون ومدى نجاحه في التوازن بين حماية المجتمع وتشجيع الابتكار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى