نيورالينك: قرد “يرى” أشياء وهمية بشريحة دماغية

ثورة نيورالينك: شريحة دماغية تُعيد البصر وتُوسّع آفاق الإدراك البشري

تُواصل شركة نيورالينك، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، إثارة دهشة العالم بابتكاراتها الرائدة في مجال واجهات الدماغ الحاسوبية. فبعد سلسلة من الإنجازات المذهلة، كشفت الشركة مؤخراً عن نتائج تجاربها على شريحة دماغية متطورة أُطلق عليها اسم "بلايندسايت" (Blindsight)، قادرة على تمكين الدماغ من "رؤية" أشياء غير موجودة فعلياً، مبشّرةً بعصر جديد من العلاج وإعادة تعريف القدرات الحسية للإنسان.

بلايندسايت: إعادة بناء الرؤية من خلال التحفيز الدماغي

تجربة القرد: خطوة واعدة نحو استعادة البصر

في مؤتمر متخصص في تقنيات واجهات الدماغ الحاسوبية، أعلن المهندس جوزيف أودوهيرتي من نيورالينك عن نتائج تجربة فريدة أجريت على قرد. فقد استطاعت شريحة بلايندسايت، من خلال تحفيز مناطق محددة في القشرة البصرية للدماغ، أن تُخدع القرد بـ"رؤية" أشياء وهمية. وقد أظهرت النتائج نجاحاً ملحوظاً، إذ استجاب القرد لما يُعرض عليه ذهنياً في أكثر من ثلثي التجارب. يُعتبر هذا إنجازاً هائلاً، يُثبت قدرة التكنولوجيا على محاكاة وظيفة العين داخل الدماغ نفسه، مُمهّدةً الطريق لاستعادة البصر لدى فاقديه.

آلية عمل الشريحة: تنشيط القشرة البصرية

تعتمد شريحة بلايندسايت على تقنية متطورة للغاية لتنشيط القشرة البصرية في الدماغ، مُحاكيةً بذلك إشارات العين. وعلى الرغم من أن الشريحة لم تحصل بعد على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للاستخدام البشري، إلا أن إيلون ماسك قد أعلن في مارس الماضي عن تطلعه لبدء التجارب البشرية خلال العام الحالي. هذا الإعلان يُثير آمالاً كبيرة لدى ملايين الأشخاص الذين يعانون من فقدان البصر حول العالم.

التحديات والتوقعات: من القرد إلى الإنسان

بينما تُبشر نتائج تجارب القرد بإمكانية تطبيق هذه التكنولوجيا على البشر، لا يزال هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها. فالقشرة البصرية لدى القردة تقع قرب سطح الدماغ، مما يُسهّل إجراء العمليات الجراحية. أما في حالة البشر، فإن الوصول إلى المناطق المطلوبة يتطلب تقنيات جراحية دقيقة للغاية، وهي تقنية تتقنها نيورالينك بفضل روبوتاتها الجراحية المتطورة.

ما وراء استعادة البصر: آفاق مستقبلية واسعة

هدف نيورالينك: تجاوز حدود الرؤية البشرية

لا يقتصر طموح نيورالينك على استعادة البصر فحسب، بل يتجاوز ذلك بكثير. فإيلون ماسك قد أشار إلى هدف بعيد المدى يتمثل في توسيع قدرات الرؤية البشرية لتشمل نطاقات أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي، مثل الأشعة تحت الحمراء، مما يُمكّن الإنسان من "رؤية" ما هو غير مرئي للعين المجردة. هذه الرؤية الطموحة تُفتح آفاقاً جديدةً تماماً لفهم العالم من حولنا.

تطبيقات أخرى لشرائح نيورالينك: استعادة الحركة والتواصل

إلى جانب مشروع بلايندسايت، تُواصل نيورالينك تطوير شرائح دماغية أخرى ذات تطبيقات واسعة النطاق. فقد تم زرع شريحة نيورالينك في خمسة أشخاص حتى الآن، ثلاثة منهم في عام 2024 واثنان في عام 2025، ويساهم هذا في إحداث ثورة في مجال علاج الشلل. وقد أظهرت التجارب نجاحاً في تحفيز الحبل الشوكي لدى القردة، مما أدى إلى تحريك عضلاتها، مُبشّرةً بإمكانية استعادة الحركة للأشخاص المصابين بالشلل. كما تُمكّن شرائح نيورالينك الأشخاص المصابين بالشلل من التواصل مباشرة مع الحواسيب، مُحسّنةً من جودة حياتهم بشكل كبير. بعض المرضى يستخدمون الشريحة لمدة تصل إلى 60 ساعة أسبوعياً.

رؤية ماسك: تسريع التواصل البشري والذكاء الاصطناعي

تندرج هذه التطورات ضمن رؤية إيلون ماسك طويلة الأمد، التي تهدف إلى تسريع التواصل البشري والتخفيف من المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي الفائق. ويُعتبر هذا الهدف محوراً أساسياً في شركة xAI، شركة ماسك الأخرى المتخصصة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. فمن خلال تعزيز قدرات الإنسان المعرفية والحسية، يسعى ماسك إلى تحقيق توازن أفضل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.

مستقبل نيورالينك: نظارات ذكية و إعادة تعريف الحواس

تخطط نيورالينك لتطوير نظارات ذكية تتكامل مع شريحة بلايندسايت، مما يُسهّل استخدام هذه التكنولوجيا بشكل أكبر. ويُشير هذا إلى أن طموحات نيورالينك تتجاوز مجرد العلاج الطبي، لتصل إلى إعادة تعريف قدرات الإنسان الحسية وإمكانياته بشكل جذري. فمع تقدم التقنية، قد نرى يوماً ما عالمًا تتجاوز فيه قدرات الإنسان الحسية ما هو متعارف عليه اليوم، مُفتحةً أبواباً جديدةً للإبداع والاكتشاف. يبقى الوقت هو الكفيل بإظهار مدى واقعية هذه الرؤية الطموحة ومدى تأثيرها على مستقبل البشرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى