سامسونج.. أزمة رقائق تهدد مستقبلها

أزمة سامسونغ: ليالٍ بلا نوم تهدد مستقبل إمبراطورية الرقائق
تواجه شركة سامسونغ للإلكترونيات، العملاق الكوري الجنوبي في مجال صناعة الرقائق، أزمة وجودية تهدد مستقبلها. فبينما تسعى الشركة للحفاظ على مكانتها الرائدة في سوق الرقائق شديد التنافسية، تعاني من نزيف داخلي خطير يتمثل في هجرة مهندسيها الموهوبين. تُشير تقارير متعددة إلى ثقافة عمل مرهقة، ورواتب غير مجزية، ونقص حاد في الموظفين، كلها عوامل أسهمت في هذه الأزمة التي وصفها رئيس مجلس الإدارة بأنها "مسألة حياة أو موت".
هجرة العقول: رحيل مهندسي سامسونغ
تتزايد أعداد المهندسين الذين يغادرون سامسونغ بحثًا عن بيئات عمل أفضل ورواتب أكثر تنافسية. يُشير عشرة مهندسين حاليين وسابقين، تحدثوا إلى موقع "ريست أوف وورلد" وغيره من المصادر، إلى اتجاه واضح نحو شركات منافسة كبرى مثل SK Hynix و Intel و Micron، بل وحتى شركات صينية ناشئة. يُعزى هذا النزوح إلى ثقافة عمل مرهقة تتطلب ساعات عمل إضافية طويلة دون مقابل مادي مُرضٍ، إضافة إلى نقص حاد في الموارد البشرية مما يُزيد من عبء العمل على كل فرد.
ثقافة العمل المُرهقة: ساعات طويلة ومكافآت ضئيلة
يُصف مهندسو سامسونغ بيئة العمل بأنها قاسية للغاية، حيث يُضطرون للعمل لساعات طويلة تمتد حتى منتصف الليل، بل وأكثر خلال مواسم الذروة. تُشير شهاداتهم إلى أن الشركة تُجبر الموظفين على تسجيل ساعات العمل الإضافية تحت بند "الوقت غير العملي" لتجنب تجاوز الحد الحكومي البالغ 52 ساعة عمل أسبوعيًا، مما يعني عمليًا العمل لساعات طويلة بلا أجر إضافي. هذا الوضع المُنهك، مُضافًا إليه انخفاض المكافآت بنسبة 72% في العام الماضي، يُشجع المهندسين على البحث عن فرص عمل أفضل.
رواتب غير مجزية: مقارنة مع الشركات المنافسة
لا تتناسب الرواتب والمكافآت المُقدمة في سامسونغ مع الجهد المبذول والمسؤولية الملقاة على عاتق المهندسين، خاصةً مقارنةً بالشركات المنافسة التي تُقدم حوافز أفضل. بل إن بعض المدراء، حسب شهادات بعض المهندسين، يُشجعون أعضاء فرقهم على التقديم في شركات أخرى، مما يُظهر مدى تفاقم الأزمة داخل الشركة. يقول تشو، أحد المهندسين الشباب: "مديري قال لي بوضوح: لماذا لا تتقدمون إلى SK Hynix؟ ارحلوا من هنا بسرعة!".
تراجع الريادة: خسائر مالية وتنافسية شرسة
لم تقتصر أزمة سامسونغ على هجرة الكفاءات البشرية، بل امتدت لتشمل تراجعًا في مكانتها التنافسية عالميًا. فقد خسرَت سامسونغ ريادتها في سوق شرائح الذاكرة عالية النطاق الترددي لصالح منافستها SK Hynix بعد ثلاثة عقود من الهيمنة. كما تتخلف عن العملاق التايواني TSMC في مجال أعمال المسابك (Foundries) الذي يُنتج الرقائق لحساب شركات أخرى، حيث يسيطر TSMC على ثلثي السوق العالمي. وقد بلغت خسائر سامسونغ في قطاع الرقائق والمسابك 2.4 مليار دولار في عام 2023.
تأثير الأزمة على قطاع الذكاء الاصطناعي:
تُعتبر رقائق سامسونغ، خاصةً شرائح الذاكرة عالية النطاق الترددي، أساسية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل تلك التي تُنتجها شركة NVIDIA. لذلك، فإن تراجع أداء سامسونغ يُهدد سلسلة التوريد العالمية للذكاء الاصطناعي، ويُمكن أن يُؤثر سلبًا على تطوير هذا القطاع الحيوي.
تحقيقات داخلية واعترافات رسمية
أطلقت سامسونغ تحقيقات داخلية لمحاولة فهم أسباب الأزمة ووضع الحلول المناسبة. وقد اعترف جون يونغ هيون، رئيس قطاع الرقائق، في مذكرة داخلية بوجود ثقافة عمل تعاني من "التستر على المشاكل والإبلاغ المضلل عن خطط مبنية على تفاؤل مفرط"، وهي عوامل ساهمت في تفاقم الأزمة. ورغم تصريحات الشركة حول "تعزيز ثقافة عمل صحية"، إلا أن بيئة العمل لا تزال، حسب شهادات المهندسين، طاردة للمواهب.
بيروقراطية وتزوير التقارير: أسباب جوهرية للأزمة
يُشير خبراء إلى أن أزمة سامسونغ تعود جزئيًا إلى ثقافة تنظيمية بيروقراطية جامدة، أدت إلى بطء في الابتكار، واعتماد على تسلسل هرمي صارم، وأهداف أداء غير واقعية تُفرض من الأعلى إلى الأسفل. يُجبر المدراء على تقديم تقارير وردية حتى لو كانت البيانات الحقيقية مُغايرة، مما أدى إلى تزوير التقارير والمبالغة في معدلات النجاح والتقليل من شأن العيوب. يقول إيم، مهندس معدات، "قدّمتُ تقريرًا حقيقيًا فأمرني مديري بإعادة كتابته… بعدها قمنا بتعديل البيانات".
مستقبل قلق: مخاطر السلامة وضرورة الإصلاح
يعمل بعض فرق المهندسين في ظروف خطيرة، حيث يُجبرون على العمل في نوبات ليلية بمفردهم، رغم أن البروتوكولات تشترط وجود مهندسين اثنين. هذا الوضع يُزيد من خطر الحوادث وعيوب الإنتاج، مما يُهدد سمعة سامسونغ وجودة منتجاتها. يُشدد الخبراء على ضرورة إصلاح ثقافة العمل في سامسونغ، وتحسين الرواتب والمكافآت، وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة لجذب الكفاءات والحفاظ على مكانتها في سوق الرقائق شديد التنافسية. فمستقبل إمبراطورية سامسونغ في مجال الرقائق، يبدو مرتبطًا بشكل وثيق بقدرتها على معالجة هذه الأزمة بفعالية.