البحرية الأمريكية تفتح أبوابها للشركات الناشئة: ثورة في عقود التكنولوجيا العسكرية

البحرية الأمريكية تفتح ذراعيها للشركات الناشئة: تحول في أساليب التعاقد والتكنولوجيا

في الوقت الذي تتصدر فيه أخبار وادي السيليكون العناوين الرئيسية، حيث يتجه بعض التنفيذيين البارزين إلى ارتداء الزي العسكري، تشهد البحرية الأمريكية تحولاً هادئاً ولكنه عميق. يهدف هذا التحول إلى تبسيط العمليات، وتسريع وتيرة الابتكار، وجذب الشركات الناشئة المبتكرة للتعاون مع الجيش.

تغيير جذري في التعامل مع الشركات الناشئة

يقود هذا التحول المهندس التقني الأول للبحرية، جاستن فانيلي، الذي أمضى العامين والنصف الماضيين في تبسيط الإجراءات البيروقراطية وتقليص دورات الشراء الطويلة التي كانت في السابق تجعل العمل مع الجيش كابوساً للشركات الناشئة. يمثل هذا الجهد إعادة تشكيل أقل وضوحاً، لكنها قد تكون أكثر أهمية، وتهدف إلى جعل الحكومة تتحرك بشكل أسرع وأكثر ذكاءً في كيفية تخصيص الأموال.

في مقابلة حديثة، صرح فانيلي: "نحن أكثر انفتاحاً على الأعمال والشراكات من أي وقت مضى. نحن متواضعون ونستمع أكثر من ذي قبل، وندرك أنه إذا أظهرت لنا مؤسسة كيف يمكننا ممارسة الأعمال بشكل مختلف، فإننا نريد أن تكون هذه شراكة".

"مجموعة أدوات اعتماد الابتكار" كجسر للوادي الميت

يتم تسهيل العديد من هذه الشراكات من خلال ما يسميه فانيلي "مجموعة أدوات اعتماد الابتكار" التابعة للبحرية، وهي سلسلة من الأطر والأدوات التي تهدف إلى سد ما يسمى بـ "وادي الموت". يمثل "وادي الموت" المرحلة التي يموت فيها التكنولوجيا الواعدة في طريقها من النموذج الأولي إلى الإنتاج.

يوضح فانيلي: "كانت الطريقة التقليدية للتعامل مع الحكومة معقدة للغاية. الآن، أصبح الأمر أشبه بالقمع، ونقول، إذا كان بإمكانك إظهار أن لديك نتائج استثنائية، فإننا نريد أن نخصصك كخدمة مؤسسية".

قصة نجاح: من طلب العروض إلى النشر التجريبي في ستة أشهر

خير مثال على هذا التحول، هو التعاون مع شركة "فيا" (Via)، وهي شركة ناشئة متخصصة في الأمن السيبراني، والتي تمكنت من الانتقال من طلب تقديم العروض إلى النشر التجريبي في أقل من ستة أشهر. تساعد "فيا" المؤسسات الكبيرة على حماية البيانات الحساسة والهويات الرقمية من خلال اللامركزية، مما يعني أن البيانات لا يتم تخزينها في مكان مركزي واحد يمكن اختراقه.

نموذج "الأفق" الجديد: من تحديد الحلول إلى تحديد المشاكل

تعتمد البحرية في نهجها الجديد على نموذج "الأفق"، الذي تم اقتباسه وتكييفه من إطار عمل الابتكار الخاص بشركة "ماكينزي". تمر الشركات بثلاث مراحل: التقييم، والتجريب المنظم، والتوسع إلى الخدمات المؤسسية.

يقول فانيلي إن الفرق الرئيسي عن التعاقد الحكومي التقليدي هو أن البحرية تقود الآن بالمشاكل بدلاً من الحلول المحددة مسبقاً. "بدلاً من تحديد ‘نريد حل هذه المشكلة بالطريقة التي اعتدنا عليها دائماً’، نقول ببساطة، ‘لدينا مشكلة، من يريد حلها، وكيف ستحلها؟’"

الدافع الشخصي وراء التغيير

الدافع وراء سعي فانيلي لإصلاح تكنولوجيا البحرية هو شخصي. في الأصل، كان طالباً في منحة دراسية في القوات الجوية يدرس الهندسة الكهربائية، لكنه استبعد من الخدمة العسكرية بسبب مشكلة في الرئة. مصمماً على الخدمة على أي حال، اختار البحرية على عروض القطاع الخاص قبل أكثر من 20 عاماً لأنه "أراد أن يكون حول أشخاص يرتدون الزي العسكري".

منذ ذلك الحين، امتدت مسيرته المهنية عبر أدوار في الدفاع والاستخبارات ووكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) ومبادرات المصادر المفتوحة، قبل العودة إلى وزارة البحرية.

فتح الأبواب للشركات التي لم تفكر في العمل مع الحكومة من قبل

يفتح التغيير الذي يشرف عليه فانيلي الأبواب أمام الشركات التي لم تفكر في العمل مع الحكومة من قبل، وربما اعتقدت أن محاولة ذلك مضيعة للوقت. يشير فانيلي، على سبيل المثال، إلى مسابقة أقيمت من خلال وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)، حيث توقعت البحرية عدداً قليلاً من مقدمي العروض لمواجهة تحدٍ متخصص في الأمن السيبراني، لكنها تلقت ما يقرب من 100 استجابة – العديد منها من شركات لم يسبق لها العمل مع وزارة الدفاع من قبل، ولكنها كانت بالفعل تحل مشاكل مماثلة في القطاع الخاص.

قصص نجاح ملموسة: توفير الوقت وتحسين الروح المعنوية

يقول فانيلي إن فريقه وثق العشرات من قصص النجاح، بما في ذلك شركة ناشئة مدعومة بالمخاطر استخدمت أتمتة العمليات الروبوتية للتخلص من تراكم فواتير لمدة عامين في غضون بضعة أسابيع فقط. مثال آخر تضمن تنفيذ تحسينات للشبكة على حاملة طائرات، مما وفر 5000 ساعة عمل للبحارة في الشهر الأول وحده.

ويوضح فانيلي: "هذا لم يغير فقط مدى توفرهم، بل غير أيضاً معنوياتهم، وروحهم المعنوية، وكم من الوقت يمكنهم قضاؤه في القيام بمهام أخرى". ويشير إلى أن الوقت الذي يتم توفيره هو أحد أهم العوامل.

أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص في العصر الرقمي

يعكس هذا التحول في البحرية الأمريكية اتجاهاً أوسع نطاقاً في جميع أنحاء العالم، حيث تدرك الحكومات بشكل متزايد أهمية التعاون مع القطاع الخاص في مجال التكنولوجيا. في عالم يتطور فيه التهديدات الأمنية والتقنيات الجديدة بوتيرة متسارعة، أصبح من الضروري للجيش أن يكون قادراً على الاستفادة من أحدث الابتكارات والحلول.

فوائد هذا النهج الجديد

يوفر هذا النهج الجديد العديد من الفوائد لكل من البحرية والشركات الناشئة:

  • تسريع الابتكار: من خلال تبسيط العمليات وتقليص دورات الشراء، يمكن للبحرية تبني تقنيات جديدة بشكل أسرع.
  • زيادة الكفاءة: يمكن للشركات الناشئة تقديم حلول أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة.
  • تحسين الأمن: من خلال التعاون مع خبراء الأمن السيبراني، يمكن للبحرية تعزيز دفاعاتها ضد التهديدات الإلكترونية.
  • خلق فرص عمل: يوفر هذا النهج فرص عمل جديدة للشركات الناشئة والمهندسين والباحثين.
  • تعزيز الروح المعنوية: من خلال تحسين العمليات وتوفير الوقت، يمكن للبحرية تحسين معنويات الجنود.

التحديات المستقبلية

على الرغم من هذه النجاحات، لا تزال هناك تحديات أمام البحرية في سعيها لتحقيق التحول الرقمي:

  • التغلب على الثقافة التقليدية: قد يستغرق تغيير الثقافة التنظيمية وقتاً وجهداً.
  • ضمان الأمن السيبراني: يجب على البحرية أن تضمن أن جميع التقنيات الجديدة آمنة ومحمية من الهجمات الإلكترونية.
  • الحفاظ على التنافسية: يجب على البحرية أن تظل قادرة على جذب أفضل المواهب والتقنيات.
  • التكيف مع التغيير المستمر: يجب على البحرية أن تكون مرنة وقادرة على التكيف مع التغييرات السريعة في مجال التكنولوجيا.

الخلاصة: مستقبل مشرق للتعاون التكنولوجي

يمثل التحول الذي تشهده البحرية الأمريكية خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر ابتكاراً وأماناً. من خلال فتح ذراعيها للشركات الناشئة، فإن البحرية لا تستفيد فقط من أحدث التقنيات، بل تعمل أيضاً على تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، مما يعود بالنفع على كل من الجيش والمجتمع ككل. إن هذا النهج الجديد يمثل نموذجاً يحتذى به لكيفية قيام الحكومات بتسريع الابتكار والتكيف مع التحديات المتزايدة في العصر الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى