مراقبة صحفيين أوروبيين ببرمجيات “باراغون”

فضيحة "باراغون": استهداف صحفيين أوروبيين ببرمجيات تجسس إسرائيلية
تُثير فضيحة جديدة تتعلق ببرمجيات التجسس الإسرائيلية "باراغون" جدلاً واسعاً في أوروبا، بعدما كشفت تقارير استخباراتية عن استهداف صحفيين أوروبيين بارزين، مُسلطةً الضوء على مخاوف متزايدة حول انتهاكات الخصوصية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في قمع المعارضة. يُضيف هذا التطور بعداً جديداً للنقاش العالمي حول أخلاقيات التجسس الرقمي ومسؤولية الشركات المصنعة لهذه البرمجيات.
تقرير "سيتزين لاب": أدلة جديدة على اختراقات واسعة النطاق
أصدرت "سيتزين لاب"، وهي منظمة بحثية كندية متخصصة في أمن الإنترنت، تقريراً مفصلاً يقدم أدلة دامغة على استخدام برمجيات "باراغون" في اختراق هواتف صحفيين أوروبيين. يُشير التقرير إلى أن رئيس مكتب نابولي في موقع "فان بيج" الإيطالي، سيرو بيليجرينو، كان ضحية لهذه الهجمات الإلكترونية. ويُلاحظ أن بيليجرينو تربطه علاقة صداقة قوية بفرانشيسكو كانسيلاتو، الذي تعرض لاختراق مماثل في فبراير الماضي. هذا الترابط يُثير تساؤلات حول دوافع هذه الاختراقات، خاصةً بالنظر إلى الانتقادات التي وجهتها مؤسسة كانسيلاتو لحكومة ميلوني.
الصحفي الأوروبي المجهول: ضحية ثالثة في دائرة الظل
لم يتوقف الأمر عند بيليجرينو فقط، بل كشف التقرير أيضاً عن حالة اختراق ثالثة طالت صحفياً أوروبياً بارزاً رفض الكشف عن هويته. هذا الصمت يُبرز حجم الضغط الذي يتعرض له الصحفيون، خشية من الانتقام أو المضايقات. ويُشير هذا إلى أن هذه الهجمات ليست حالات معزولة، بل جزء من نمط مُنظم لاستهداف الأصوات المعارضة.
الخلاف الإيطالي-الإسرائيلي: رفض المساعدة وتصاعد التوتر
يأتي تقرير "سيتزين لاب" وسط خلاف علني حاد بين الحكومة الإيطالية وشركة "باراغون". فقد أعلنت الشركة، في تصريحات لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أنها عرضت مساعدتها لإيطاليا في التحقيق في قضية كانسيلاتو. لكن تقارير "الغارديان" تشير إلى رفض إيطاليا لهذا العرض، مُبررةً ذلك بمخاوف تتعلق بالأمن القومي. هذا الرفض يُثير المزيد من الشكوك حول مدى شفافية الحكومة الإيطالية في التعامل مع هذه القضية، ومدى تعاونها مع التحقيقات الدولية.
الصمت الحكومي وتصاعد الضغط السياسي
لم يصدر أي تعليق رسمي من مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني على تقرير "سيتزين لاب"، مما زاد من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة. ويُلاحظ تصاعد الضغط السياسي من قبل المعارضة الإيطالية وأعضاء البرلمان الأوروبي، مطالبين بتحقيق شامل وكشف الحقيقة. هذا الصمت يُعتبر بمثابة إقرار ضمني بوجود مشكلة، ويزيد من الضغط على الحكومة الإيطالية للكشف عن حقيقة ما جرى.
تحليل "سيتزين لاب": بصمات رقمية واضحة وارتباط بعمليات سابقة
يُقدم تقرير "سيتزين لاب" تحليلاً تقنياً مُفصلاً، مُشيراً إلى وجود بصمات رقمية واضحة لبرمجيات "باراغون" على الهواتف المُستهدفة. الأهم من ذلك، أن التحليل كشف عن ارتباط هذه الاختراقات بالعميل نفسه الذي استخدم برمجيات "باراغون" في اختراق هاتف كانسيلاتو. هذا الاكتشاف يُعزز من قوة الأدلة ضد الشركة الإسرائيلية، ويثير المزيد من التساؤلات حول دورها في هذه العمليات.
تقارير كوباسير: عقود سرية مع وكالات استخبارات إيطالية
تُشير لجنة برلمانية تابعة لمنظمة "كوباسير" إلى وجود عقود سابقة بين وكالات استخبارات إيطالية (محلية وأجنبية) وشركة "باراغون" في عامي 2023 و2024. هذا الكشف يُثير مخاوف حول استخدام هذه البرمجيات في التجسس على نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين، تحت غطاء مكافحة الإرهاب. يُذكر أن تقرير "الغارديان" يُشير إلى أن التجسس على بعض النشطاء المؤيدين للهجرة، مثل لوكا كاساريني وجوزيبي كاتشيا، كان بسبب علاقتهم بالمهاجرين غير الشرعيين، وليس بسبب عملهم في مجال حقوق الإنسان. هذا يُسلط الضوء على سوء استخدام هذه التكنولوجيا في قمع الأصوات المعارضة.
أخلاقيات التجسس الرقمي: مسؤولية الشركات والحكومات
تُثير هذه الفضيحة أسئلة جوهرية حول أخلاقيات التجسس الرقمي، ومسؤولية الشركات المصنعة لبرمجيات التجسس، والحكومات التي تستخدمها. فبينما تُصر "باراغون" على أنها لا تبيع برمجياتها إلا للحكومات الديمقراطية، وتُحظر استخدامها في التجسس على المدنيين والصحفيين، إلا أن الأدلة تُشير إلى خلاف ذلك. يُبرز هذا التناقض الحاجة إلى رقابة دولية صارمة على تجارة برمجيات التجسس، وضمان استخدامها فقط في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ضرورة حماية الصحفيين وتعزيز حرية التعبير
يُمثل استهداف الصحفيين انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير وحق الجمهور في الحصول على المعلومات. تُبرز هذه الحادثة الحاجة إلى حماية الصحفيين من الهجمات الإلكترونية، وتوفير التدريب والتقنيات اللازمة لهم لحماية أنفسهم. كما تُلقي الضوء على أهمية تعزيز حماية الصحفيين قانونياً، ومحاسبة الجهات التي تنتهك حقوقهم.
الخاتمة: معركة مستمرة من أجل الخصوصية والأمن الرقمي
تُمثل فضيحة "باراغون" حلقة جديدة في المعركة المستمرة من أجل حماية الخصوصية والأمن الرقمي. تُبرز هذه القضية الحاجة إلى تعاون دولي مُكثف لمكافحة التجسس الإلكتروني، وتطوير آليات رقابية فعّالة لمنع سوء استخدام التكنولوجيا المتقدمة. يُجب على الحكومات والشركات تحمل مسؤوليتها في حماية حقوق الإنسان والحرية الصحفية، وعدم استخدام التكنولوجيا كأداة لقمع المعارضة. مستقبل الأمن الرقمي يتطلب نهجاً أخلاقياً وشفافاً، يُحترم فيه الحقوق الأساسية للجميع.