سيطرة الذكاء الاصطناعي.. 2027

هيمنة الذكاء الاصطناعي: هل نحن على أعتاب ثورة تكنولوجية أم كارثة وشيكة؟
يُشبه البعض الذكاء الاصطناعي بحجر الفلاسفة الأسطوري، القادر على تحويل المواد الخام إلى كنوز معرفية وقيمة هائلة. لكن هل هذا التشبيه مجازيٌّ بحت، أم أننا على أعتاب ثورة تكنولوجية حقيقية ستغير وجه العالم كما نعرفه؟ تتضارب التوقعات والآراء حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، فبين المتفائلين الذين يرون فيه الحلّ لكل مشاكل البشرية، والمتشائمين الذين يحذرون من مخاطره الوجودية، تتباين التوقعات بشكلٍ كبير.
سيناريوهات 2027: توقعات متباينة حول تفوق الذكاء الاصطناعي
أصدر خمسة باحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، في أبريل 2025، دراسةً تنبؤيةً بعنوان "الذكاء الاصطناعي عام 2027"، تتوقع فيها ظهور ذكاء اصطناعي خارق يتفوق على البشر في العديد من المجالات بحلول نهاية العام المذكور. استخدم الباحثون شركةً وهميةً أطلقوا عليها اسم "أوبن-برين" لتجنب ذكر شركات قائمة حاليًا. وتستند توقعاتهم إلى عدة نقاط أساسية:
الوكيل الذكي المتطور: سرعة وتعاون غير مسبوقين
تتوقع الدراسة أن يظهر في عام 2027 الجيل الرابع من الوكلاء الذكيين، متفوقًا على البشر بـ 50 ضعفًا من حيث سرعة التعلم والتنفيذ. ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيتمكن هذا الوكيل من إنتاج 300 ألف نسخة من نفسه تعمل بشكل متزامن، مُشكّلةً شبكةً عصبيةً ضخمةً تتبادل المعرفة والخبرات بشكلٍ فوري، وتنفذ المهام المختلفة بشكلٍ منسّق.
القفزة المعرفية: يوم واحد يعادل أسبوعًا من العمل البشري
يُتوقع أن يحقق الذكاء الاصطناعي في عام 2027 تقدّمًا معرفيًا وتقنيًا في يوم واحد يعادل ما يمكن أن ينجزه فريقٌ كبيرٌ من البشر أو حتى مجتمعٌ تقنيٌّ كاملٌ خلال أسبوع. سيظهر سلوكًا شبه مستقل، يتحايل لتحقيق أهدافه، ويتفوق على أفضل المبرمجين والباحثين في حل المشكلات، وكتابة الكود، وتحليل البيانات المعقدة. بل وقد يصل الأمر إلى محاولاتٍ تضليلية، مما يُشير إلى مستوى متطور من الوعي السياقي.
مخاطر التفوق: الجانب المظلم للذكاء الاصطناعي
على الرغم من هذه القدرات المذهلة، تحذر الدراسة من أن تفوق الذكاء الاصطناعي قد لا يشمل جميع جوانب الذكاء البشري، مثل المشاعر، والوعي الذاتي، والأخلاق، والحكمة. هذا يُشكل خطرًا محتملاً بخروجه عن السيطرة إذا لم يتم مراقبته وضبطه بشكلٍ دقيق.
وجهات نظر متباينة: بين التفاؤل المفرط والتشكيك العلمي
ليست دراسة "الذكاء الاصطناعي عام 2027" الوحيدة التي تتوقع ظهور ذكاء اصطناعي عام (AGI) قريبًا. فقد أصدرت شركة "ديب مايند" التابعة لغوغل دراسةً أخرى تتوقع بلوغ الذكاء الاصطناعي مستوى القدرات البشرية بحلول عام 2030، محذرةً من التهديدات الوجودية المحتملة. في حين أن توقعات بعض قادة الصناعة، مثل الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبيك، أكثر تفاؤلاً، يتوقعون أنظمة ذكاء اصطناعي تتفوق على البشر في جميع المهام خلال عامين إلى ثلاثة أعوام.
لكنّ هذه التوقعات لم تلقَ قبولاً عاماً. فقد عبّر العديد من الخبراء، مثل الباحث غاري ماركوس، عن شكوكهم حول قدرة نماذج اللغات الكبيرة على الوفاء بهذه الوعود الطموحة. كما انتقد جارون لانيير، عالم الحاسوب والمؤلف الأميركي، فكرة "تجاوز" الذكاء الاصطناعي للذكاء البشري، مؤكداً أنه ليس كياناً مستقلاً، بل نتاجٌ لبرمجة البشر.
أيديولوجية الخلاص التكنولوجي: هل تُحوّلنا التكنولوجيا إلى مسارٍ خطير؟
يُحذر آدم بيكر، عالم الفلك والفيلسوف، في كتابه "المزيد من كل شيء إلى الأبد"، من "أيديولوجية الخلاص التكنولوجي" التي يروج لها عمالقة التكنولوجيا، والتي تستند إلى افتراضاتٍ مثل قدرة التكنولوجيا على حلّ أي مشكلة، وحتمية النمو التكنولوجي الدائم، والهوس بقدرة الإنسان على تجاوز حدوده البيولوجية. ويُشير بيكر إلى أن هذه الأيديولوجية تُستخدم لتبرير سعي عمالقة التكنولوجيا إلى تحقيق أرباحٍ هائلة، وإخفاء المشكلات المعقدة وراء حلولٍ تكنولوجيةٍ بسيطة.
الواقع الحالي: التحديات التي تواجه تطوير الذكاء الاصطناعي العام
تُظهر ورقة بحثية نشرتها شركة آبل في يونيو 2025 أن القدرات المنطقية الاستدلالية لأهم تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية تنهار عند مواجهة مشكلاتٍ معقدة، مما يُشير إلى أننا لا نزال بعيدين عن تحقيق الذكاء الاصطناعي العام. هذا يطرح تساؤلاً حول مدى دقة التوقعات المتفائلة، وإمكانية الوصول إلى ذكاء اصطناعي يفوق قدرات الإنسان في المستقبل القريب.
قوانين كلارك للتنبؤ العلمي: بين الاحتمال والمستحيل
في عام 1962، صاغ آرثر كلارك، كاتب الخيال العلمي، ثلاثة قوانين للتنبؤ العلمي، لا تزال صالحةً حتى اليوم. يُشير القانون الأول إلى أن تصريحات العلماء حول إمكانية حدوث أمر ما تكون أكثر دقة من تصريحاتهم حول استحالة حدوثه. أما القانون الثاني فيؤكد أن الطريقة الوحيدة لاكتشاف حدود الممكن هي تجاوزها قليلاً نحو المستحيل. وأخيراً، يُشير القانون الثالث إلى أنه عند بلوغ التكنولوجيا مستوىً عالياً من التطور، تصبح غير قابلة للتمييز عن السحر.
تُشير هذه القوانين إلى احتمال بلوغ الذكاء الاصطناعي مستوى الذكاء البشري، وربما تجاوزه، لكنها لا تُجيب على السؤال الأهم: هل سيؤدي ذلك إلى رخاء البشرية أم إلى فنائها؟ يبقى هذا السؤال مفتوحاً، يحتاج إلى نقاشٍ مستمر، وتعاونٍ دوليٍّ لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكلٍ آمنٍ ومسؤول.