AMD يأخذ الهدف من هيمنة أجهزة AI من NVIDIA مع BRIRIC SUSSICITION

حرب العمالقة في عالم الذكاء الاصطناعي: هل يقلب استحواذ AMD على "بريوم" موازين القوى ضد إنفيديا؟
شهد عالم التكنولوجيا مؤخرًا تطورًا استراتيجيًا قد يعيد تشكيل المشهد التنافسي في سوق عتاد وبرمجيات الذكاء الاصطناعي الذي تهيمن عليه شركة إنفيديا بشكل كبير. فقد أعلنت عملاقة أشباه الموصلات، AMD، يوم الأربعاء عن استحواذها على شركة "بريوم" (Brium) الناشئة المتخصصة في تحسين برمجيات الذكاء الاصطناعي. ورغم عدم الكشف عن شروط الصفقة المالية، إلا أن هذا الاستحواذ يمثل خطوة محورية في استراتيجية AMD الطموحة لكسر احتكار إنفيديا، وفتح آفاق جديدة لمنظومة ذكاء اصطناعي أكثر انفتاحًا وتنوعًا.
لطالما كانت إنفيديا الرائدة بلا منازع في مجال وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) المخصصة للذكاء الاصطناعي، مدعومة بمنظومتها البرمجية القوية "CUDA" التي أصبحت المعيار الذهبي للمطورين والباحثين في هذا المجال. لكن مع تصاعد الطلب على قدرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتسارعة، تسعى AMD جاهدة لتقديم بديل قوي، ليس فقط على مستوى العتاد، بل الأهم من ذلك، على مستوى البرمجيات التي تتيح للمطورين الاستفادة القصوى من إمكانيات عتادها.
هيمنة إنفيديا وسر تفوقها: منظومة CUDA كنقطة قوة
لفهم أهمية استحواذ AMD على "بريوم"، يجب أولاً أن نستعرض أسباب هيمنة إنفيديا على سوق عتاد الذكاء الاصطناعي. إنفيديا لم تكتفِ بإنتاج وحدات معالجة رسوميات (GPUs) قوية مثل سلسلة "Hopper" و "Blackwell" التي تعتبر العمود الفقري لمراكز البيانات والتدريب على نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، بل استثمرت بشكل مكثف في بناء منظومة برمجية متكاملة تُعرف باسم "CUDA".
"CUDA" ليست مجرد مكتبة برمجية؛ إنها منصة حوسبة متوازية تمكن المطورين من استخدام وحدات معالجة الرسوميات من إنفيديا لأغراض الحوسبة للأغراض العامة (GPGPU). بفضل سنوات من التطوير والدعم، أصبحت "CUDA" تتمتع بنضج كبير، وتوفر مجموعة واسعة من الأدوات والمكتبات والأطر (مثل TensorFlow و PyTorch) التي تم تحسينها بشكل خاص للعمل بسلاسة وكفاءة مع عتاد إنفيديا. هذا التكامل العميق بين العتاد والبرمجيات هو ما خلق "حلقة مفرغة" من الهيمنة: فالمطورون يفضلون عتاد إنفيديا لأنه يعمل بشكل أفضل مع "CUDA"، وتستمر إنفيديا في الاستثمار في "CUDA" لأن معظم المطورين يستخدمونها.
هذه الهيمنة أدت إلى ما يُعرف بـ "الارتباط بالبائع" (Vendor Lock-in)، حيث يجد المطورون والشركات صعوبة في التحول إلى عتاد منافس، حتى لو كان يقدم أداءً جيدًا أو تكلفة أقل، وذلك بسبب الحاجة إلى إعادة كتابة أو تكييف أجزاء كبيرة من شيفراتهم البرمجية لتتوافق مع المنظومات البديلة. هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه AMD.
لماذا "بريوم" تحديدًا؟ مفتاح تكييف برمجيات الذكاء الاصطناعي
تُعد "بريوم" شركة ناشئة تعمل في وضع "التخفي" (stealth mode)، مما يعني أنها كانت تعمل بصمت على تقنياتها دون الكشف عن تفاصيل كثيرة. ومع ذلك، فإن المعلومات المتاحة تشير إلى أن تخصصها يكمن في بناء تطبيقات تعلم الآلة التي تمكن "الاستدلال بالذكاء الاصطناعي" (AI inference) عبر مجموعة متنوعة من خيارات العتاد المختلفة.
ولتبسيط هذا المفهوم، فإن "الاستدلال بالذكاء الاصطناعي" هو العملية التي يستخدمها نموذج ذكاء اصطناعي مُدرّب لاستخلاص النتائج أو اتخاذ القرارات من بيانات جديدة. على سبيل المثال، عندما تستخدم تطبيقًا للتعرف على الوجوه في هاتفك، أو عندما يوصي لك موقع تسوق بمنتجات معينة، فإن هذا يحدث عبر عملية الاستدلال. بينما يتطلب تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة عادةً قدرات حوسبة هائلة ومكلفة (وهو ما تتفوق فيه إنفيديا حاليًا)، فإن الاستدلال يحدث في نطاق أوسع بكثير، من الخوادم السحابية الضخمة إلى الأجهزة الطرفية الصغيرة مثل الهواتف الذكية والكاميرات الذكية.
القيمة الحقيقية لـ "بريوم" تكمن في قدرتها على "تكييف" (retrofit) برمجيات الذكاء الاصطناعي للعمل مع عتاد مختلف عن الذي صُممت من أجله في الأصل. تخيل أن لديك نموذج ذكاء اصطناعي تم تدريبه وتحسينه للعمل على وحدات معالجة رسوميات إنفيديا. "بريوم" يمكنها أن تساعد في جعل هذا النموذج يعمل بكفاءة على وحدات معالجة رسوميات AMD Instinct أو أي عتاد آخر، دون الحاجة إلى إعادة برمجة معقدة ومكلفة من الصفر. هذا يقلل بشكل كبير من الحاجز أمام اعتماد عتاد AMD.
مدونة "بريوم" الوحيدة، التي نُشرت في نوفمبر 2024، سلطت الضوء على هذا التحدي بشكل مباشر. جاء فيها: "في السنوات الأخيرة، أحرزت صناعة العتاد تقدمًا نحو توفير بدائل قابلة للتطبيق لعتاد إنفيديا للاستدلال على جانب الخادم. تقدم حلول مثل وحدات معالجة الرسوميات Instinct من AMD خصائص أداء قوية، لكن يظل تسخير هذا الأداء في الممارسة تحديًا، حيث يتم عادةً ضبط أعباء العمل بشكل مكثف مع وضع وحدات معالجة الرسوميات من إنفيديا في الاعتبار. في بريوم، نعتزم تمكين الاستدلال الفعال [للنماذج] عبر مجموعة من معماريات العتاد." هذا التصريح يوضح تمامًا المشكلة التي تحاول AMD حلها من خلال هذا الاستحواذ.
استراتيجية AMD الأوسع: بناء منظومة مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي
استحواذ "بريوم" ليس حدثًا معزولاً، بل هو جزء من استراتيجية AMD الأوسع نطاقًا وطويلة الأمد لتعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر. وفقًا للبيان الصحفي لـ AMD، هذا هو الاستحواذ الاستراتيجي الرابع للشركة في العامين الماضيين نحو هدفها المتمثل في رعاية منظومة ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر.
الاستحواذات السابقة تشمل:
- Silo AI (يوليو 2024): شركة متخصصة في حلول الذكاء الاصطناعي المخصصة والخدمات الاستشارية، مما يعزز قدرة AMD على تقديم حلول متكاملة للعملاء.
- Nod.AI (أكتوبر 2023): شركة تركز على تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي وتجميعها (compilation) للعمل بكفاءة على عتاد مختلف، وهو ما يتكامل بشكل كبير مع دور "بريوم" في الاستدلال.
- Mipsology (أغسطس 2023): شركة متخصصة في الاستدلال بالذكاء الاصطناعي القائم على مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة (FPGAs)، مما يوسع نطاق حلول AMD للذكاء الاصطناعي ليشمل خيارات عتاد متنوعة.
هذه الاستحواذات المتتالية تُظهر التزام AMD ببناء طبقة برمجية قوية فوق عتادها المتميز. فبينما تمتلك AMD وحدات معالجة رسوميات قوية مثل سلسلة Instinct (MI300X على سبيل المثال)، فإن التحدي الحقيقي يكمن في توفير بيئة برمجية يمكن للمطورين من خلالها تسخير هذه القوة بسهولة. منظومة ROCm (Radeon Open Compute platform) من AMD هي محاولتها لمنافسة CUDA، لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من النضج والدعم المجتمعي لتقليص الفجوة. "بريوم" وغيرها من الشركات المستحوذ عليها ستساعد في تسريع هذا النضج وتحسين تجربة المطورين.
معركة برمجيات الذكاء الاصطناعي: التحدي الحقيقي
ليست المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي مجرد سباق على قوة العتاد. بل هي في جوهرها معركة برمجيات. فالمطورون يميلون إلى استخدام الأدوات والمنصات التي توفر لهم أكبر قدر من المرونة، وأسهل سبل للوصول إلى الموارد، وأكبر مجتمع دعم. إنفيديا نجحت في بناء هذا المجتمع حول CUDA، مما جعلها الخيار الافتراضي لكثير من مشاريع الذكاء الاصطناعي.
تدرك AMD أن امتلاك عتاد متفوق لا يكفي إذا لم يتمكن المطورون من استخدامه بسهولة. لذا، فإن استثمارها في شركات مثل "بريوم" يهدف إلى معالجة هذه الفجوة البرمجية. من خلال توفير أدوات تحسين البرمجيات التي تجعل نماذج الذكاء الاصطناعي تعمل بسلاسة على عتادها، تسعى AMD إلى تقليل "تكلفة التبديل" للمطورين، وتشجيعهم على استكشاف بدائل لـ إنفيديا.
هذا لا يعني أن AMD تتخلى عن رؤيتها لمنظومة مفتوحة. بل على العكس، فإن "بريوم" يمكن أن تساهم في تعزيز هذه الرؤية من خلال توفير حلول أكثر مرونة وغير مرتبطة بمنتج معين. فمنظومة الذكاء الاصطناعي المفتوحة تعني أن المطورين ليسوا مقيدين بمنصة عتاد أو برمجيات واحدة، مما يعزز الابتكار ويقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على بائع واحد.
الآفاق المستقبلية وتأثير الاستحواذ
يحمل استحواذ AMD على "بريوم" العديد من الآثار المحتملة على سوق الذكاء الاصطناعي:
- زيادة المنافسة: قد يؤدي هذا الاستحواذ إلى زيادة المنافسة في سوق عتاد الذكاء الاصطناعي، مما قد يدفع إنفيديا إلى الابتكار بشكل أسرع أو حتى تخفيض الأسعار.
- خيارات أوسع للمطورين: سيجد المطورون والشركات خيارات أكثر قابلية للتطبيق لعتاد الذكاء الاصطناعي، مما يقلل من الارتباط بالبائع ويزيد من المرونة في تصميم حلولهم.
- تسريع اعتماد عتاد AMD: إذا نجحت AMD في دمج تقنيات "بريوم" وشركاتها الأخرى بشكل فعال، فقد نشهد تسارعًا في اعتماد وحدات معالجة الرسوميات Instinct في مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز منظومة الذكاء الاصطناعي المفتوحة: يتماشى هذا الاستحواذ مع الاتجاه الأوسع نحو المعايير المفتوحة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمكن أن يفيد الصناعة بأكملها من خلال تشجيع التعاون والابتكار.
- تحديات أمام AMD: لا تزال هناك تحديات كبيرة. إنفيديا تتمتع بشبكة علاقات قوية مع كبار العملاء في مراكز البيانات، وتستمر في الاستثمار الهائل في البحث والتطوير. كما أن تغيير عادات المطورين يستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين.
الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية: أهمية التنوع
بالنسبة للمنطقة العربية، حيث تتسارع وتيرة التحول الرقمي واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات من النفط والغاز إلى الرعاية الصحية والمدن الذكية، فإن هذه المنافسة لها أهمية خاصة. إن الاعتماد على مصدر واحد للعتاد والبرمجيات يمكن أن يؤدي إلى قيود على الابتكار، وارتفاع التكاليف، وصعوبة في تكييف الحلول مع الاحتياجات المحلية.
إن وجود بدائل قوية لإنفيديا، مثل تلك التي تسعى AMD لتقديمها، يعني:
مرونة أكبر في البنية التحتية: يمكن للشركات والمؤسسات الحكومية في المنطقة بناء بنى تحتية للذكاء الاصطناعي تتناسب بشكل أفضل مع ميزانياتها واحتياجاتها، دون التقيد بمنصة واحدة.
دفع الابتكار المحلي: عندما تكون الأدوات والمنصات أكثر انفتاحًا وتنوعًا، يمكن للمطورين والباحثين في المنطقة تجربة حلول جديدة وتطوير تطبيقات مبتكرة تعالج التحديات المحلية بشكل أكثر فعالية.
تقليل التبعية التكنولوجية: تعزيز التنوع في سوق عتاد الذكاء الاصطناعي يقلل من التبعية لشركة واحدة، مما يعزز الأمن السيبراني والمرونة الاقتصادية على المدى الطويل.
فرص للشركات الناشئة: يمكن للشركات الناشئة في المنطقة الاستفادة من بيئة أكثر انفتاحًا لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي الخاصة بها دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في عتاد معين أو ترخيص برمجيات باهظة الثمن.
الخلاصة: هل تستطيع AMD قلب الطاولة؟
إن استحواذ AMD على "بريوم" هو إشارة واضحة إلى أن الشركة لا تستسلم في معركة الذكاء الاصطناعي. فبينما تركز إنفيديا على تعزيز هيمنتها من خلال قوة عتادها ومنظومة CUDA المتكاملة، فإن AMD تراهن على استراتيجية مختلفة: بناء منظومة مفتوحة المصدر، وتوفير أدوات برمجية تسهل على المطورين استخدام عتادها، بغض النظر عن المنصة التي صُممت عليها نماذجهم في الأصل.
لا شك أن الطريق أمام AMD لا يزال طويلاً ومليئًا بالتحديات. فكسر هيمنة إنفيديا الراسخة يتطلب أكثر من مجرد استحواذات؛ يتطلب بناء مجتمع مطورين قوي، وتوفير دعم مستمر، وإثبات الأداء والكفاءة على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة، جنبًا إلى جنب مع الاستحواذات السابقة، تضع AMD في موقع أفضل بكثير لمنافسة إنفيديا في سوق الذكاء الاصطناعي المتنامي. فالمعركة الحقيقية لم تعد فقط حول من يمتلك أقوى شريحة، بل حول من يستطيع توفير المنظومة الأكثر انفتاحًا وكفاءة للمستقبل.