X اختبارات تسليط الضوء على المشاركات التي يحبها المستخدمون مع وجهات نظر معارضة

منصة X تختبر ميزة جديدة لتعزيز التوافق الرقمي: تسليط الضوء على المنشورات التي تحظى بإعجاب الآراء المتباينة
مقدمة: تحديات الاستقطاب في الفضاء الرقمي
في عصر تتشابك فيه خيوط التواصل الاجتماعي لتشكل نسيج حياتنا اليومية، أصبحت منصات مثل X (تويتر سابقًا) ليست مجرد أدوات للتعبير الشخصي، بل ساحات رئيسية لتشكيل الرأي العام، ونقاش القضايا الملحة، وحتى التأثير على مسارات الأحداث العالمية. ومع هذه القوة الهائلة، تتجلى تحديات جسيمة، لعل أبرزها ظاهرة الاستقطاب الرقمي وتكوين "فقاعات الفلترة" التي تحبس المستخدمين ضمن صدى لآرائهم ومعتقداتهم، مما يقلل من فرص التعرض لوجهات نظر مغايرة ويغذي الانقسام.
في خطوة جريئة ومبتكرة لمواجهة هذا التحدي، أعلنت منصة X مؤخرًا عن إطلاق تجربة جديدة تهدف إلى تسليط الضوء على المنشورات التي تحظى بإعجاب وتفاعل من قبل مستخدمين يحملون عادةً وجهات نظر متناقضة. هذه المبادرة، التي تستند إلى ميزة "الملاحظات المجتمعية" (Community Notes) القائمة على التعهيد الجماعي، تمثل محاولة لإيجاد أرضية مشتركة في خضم بحر من الآراء المتضاربة، وفتح قنوات للحوار البناء، وتجاوز حواجز الانقسام التي طالما عانت منها الشبكات الاجتماعية. فما هي تفاصيل هذه التجربة؟ وكيف يمكن أن تسهم في رأب الصدع الرقمي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تشهد تنوعًا في الآراء وتحديات فريدة؟
الملاحظات المجتمعية: حجر الزاوية في استراتيجية X الجديدة
قبل الخوض في تفاصيل التجربة الجديدة، من الضروري فهم آلية عمل ميزة "الملاحظات المجتمعية" (Community Notes)، التي تمثل العمود الفقري لهذه المبادرة. أطلقت X هذه الميزة في عام 2022، بعد فترة وجيزة من استحواذ إيلون ماسك على المنصة وتحويلها من تويتر إلى X. جاء هذا الإطلاق كجزء من استراتيجية أوسع للمنصة للابتعاد عن نماذج "التحقق من الحقائق" التقليدية التي تعتمد على جهات خارجية، والتحول نحو نهج أكثر لامركزية يعتمد على قوة المجتمع نفسه في تنظيم المحتوى وتصحيح المعلومات المضللة.
تتيح "الملاحظات المجتمعية" للمساهمين المؤهلين – وهم مستخدمون تم اختيارهم بناءً على سجلهم في التفاعل البناء والحيادية – إضافة ملاحظات سياقية إلى المنشورات التي يرون أنها قد تكون مضللة أو غير دقيقة. هذه الملاحظات لا تظهر بشكل فوري، بل تخضع لعملية تقييم من قبل مساهمين آخرين من مختلف الأطياف الفكرية. إذا حظيت الملاحظة بتصويت كافٍ من مجموعة متنوعة من المساهمين الذين يمثلون وجهات نظر مختلفة، فإنها تُنشر علنًا أسفل المنشور الأصلي، لتزويد المستخدمين بسياق إضافي أو تصحيح للمعلومات.
لقد أثبتت هذه الميزة فعاليتها في العديد من الحالات، حيث ساهمت في كشف زيف الأخبار الكاذبة وتصحيح المعلومات الخاطئة بشكل أسرع وأكثر شفافية مما كانت عليه الأنظمة السابقة. إنها تجسد فلسفة إيلون ماسك في الاعتماد على "حكمة الجموع" (wisdom of the crowd) كآلية لضمان دقة المحتوى والحد من انتشار التضليل، مع الحفاظ على مبدأ حرية التعبير قدر الإمكان.
التجربة الجديدة: كيف تعمل لتقريب وجهات النظر؟
تأتي التجربة الجديدة كخطوة تطورية لميزة "الملاحظات المجتمعية"، حيث تركز على جانب مختلف تمامًا: لا تصحيح الأخطاء، بل إبراز التوافق. أعلنت X يوم الخميس الماضي عن بدء هذا الاختبار، الذي سيتيح لمجموعة فرعية من المساهمين في Community Notes رؤية إشعارات خاصة تدعوهم لتقييم وتقديم ملاحظات حول منشورات معينة. يتم عرض هذه الإشعارات بناءً على النشاط الأولي للإعجابات على المنشور.
الفكرة الأساسية هنا هي تحديد المنشورات التي تحظى بإعجاب من قبل مستخدمين يُعرف عنهم عادةً أنهم يمتلكون "آراء معارضة" أو "وجهات نظر مختلفة". كيف تحدد X هؤلاء المستخدمين؟ على الأرجح، تعتمد المنصة على تحليل أنماط التفاعل السابقة للمستخدمين، والمنشورات التي يتفاعلون معها، والحسابات التي يتابعونها، والملاحظات المجتمعية التي يصوتون عليها أو يضيفونها، لبناء نموذج تقريبي لتوجهاتهم الفكرية أو السياسية. وعندما يحظى منشور معين بإعجاب من قبل أفراد يُصنفون ضمن أطياف فكرية متباينة، فهذا يشير إلى أن المحتوى قد يكون له جاذبية أوسع تتجاوز الانقسامات المعتادة.
سيُطلب من المساهمين في Community Notes، عند رؤية هذه المنشورات "الجامعة"، تقديم ملاحظات حول ما أعجبهم أو لم يعجبهم في المنشور. تتضمن الخيارات المتاحة عبارات مثل: "تعلمت شيئًا مثيرًا للاهتمام" (I learned something interesting) أو "لا أتفق معها" (I don’t agree with it). الهدف من هذه الملاحظات هو جمع بيانات نوعية وكمية تساعد في تطوير "خوارزمية مفتوحة المصدر" (open source algorithm) قادرة على تحديد المنشورات التي تلقى صدى واسعًا لدى الأشخاص من مختلف الخلفيات ووجهات النظر.
الهدف الأسمى: جسر الهوة الرقمية وتعزيز الحوار البناء
ترى منصة X في هذه التجربة الجديدة فرصة حقيقية لتجاوز مجرد مكافحة المعلومات المضللة، والانتقال إلى مرحلة بناءة تهدف إلى تعزيز التفاهم والتوافق. وكما جاء في منشور X الرسمي: "غالبًا ما يشعر الناس أن العالم منقسم، ومع ذلك تُظهر الملاحظات المجتمعية أن الناس يمكن أن يتفقوا، حتى على المواضيع الخلافية. تسعى هذه الميزة التجريبية الجديدة إلى الكشف عن الأفكار والرؤى والآراء التي تجسر وجهات النظر. يمكن أن تزيد الوعي بما يلقى صدى واسعًا. وقد تحفز الناس على مشاركة تلك الأفكار في المقام الأول. في نهاية المطاف، يمكن أن تساعد في دفع العالم إلى الأمام بالطرق التي يريدها الناس."
هذا الطموح يتجاوز بكثير مجرد تحسين تجربة المستخدم؛ إنه يلامس جوهر التحديات الاجتماعية التي تفرضها الشبكات الرقمية. فمن خلال تسليط الضوء على نقاط التوافق، حتى لو كانت بسيطة، يمكن للمنصة أن تساعد في تفكيك "فقاعات الفلترة" و"غرف الصدى" التي تعزل المستخدمين عن الآراء المختلفة، وتساهم في تضييق آفاقهم الفكرية. إن رؤية أن منشورًا ما يحظى بإعجاب من قبل شخص تختلف معه عادةً قد تدفعك إلى التفكير مليًا في المحتوى، وربما تكتشف جوانب لم تكن لتلاحظها لولا هذا التنبيه. هذا يمكن أن يشجع على التفكير النقدي، ويقلل من التحيز التأكيدي، ويفتح الباب أمام حوار أكثر نضجًا وتفاهمًا.
الأبعاد التقنية: الخوارزميات مفتوحة المصدر وتحدياتها
الحديث عن تطوير "خوارزمية مفتوحة المصدر" لتحديد المنشورات التي تجسر وجهات النظر يثير العديد من النقاط التقنية الهامة. الخوارزميات مفتوحة المصدر هي تلك التي يكون رمزها البرمجي متاحًا للعامة، مما يسمح لأي شخص بالاطلاع عليها، تدقيقها، تحسينها، وحتى بناء عليها. في سياق منصة X، هذا يعني أن المجتمع يمكنه فهم كيف يتم تحديد "الآراء المعارضة" وكيف يتم تقييم "التوافق"، مما يعزز الشفافية والثقة.
تعتمد هذه الخوارزميات على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، وبالتحديد على معالجة اللغات الطبيعية (NLP) وتحليل الرسوم البيانية للشبكات الاجتماعية. ستحتاج الخوارزمية إلى تحليل كميات هائلة من بيانات التفاعل (الإعجابات، الردود، إعادة النشر، المتابعات) لتحديد مجموعات المستخدمين ذات الآراء المتباينة. ثم، ستقوم بتحديد المنشورات التي تحظى بإعجاب من مجموعات مختلفة بشكل غير متوقع. إن عملية "تعلم" الخوارزمية هذه ستكون مدفوعة بالملاحظات والتقييمات التي يقدمها مساهمو Community Notes، مما يجعلها تتطور وتتحسن بمرور الوقت.
ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يخلو من التحديات. فتعريف "الآراء المعارضة" بشكل دقيق وموضوعي ليس بالأمر الهين، وقد ينطوي على تحيزات كامنة في البيانات أو في طريقة تدريب الخوارزمية. كما أن هناك تحديًا في ضمان أن الخوارزمية لا تروج لـ "التسوية الكاذبة" (false equivalence) حيث يتم التعامل مع جميع الآراء على قدم المساواة بغض النظر عن أساسها أو صحتها. الشفافية وحدها لا تكفي؛ بل يجب أن تتبعها دقة وعدالة في التطبيق.
التأثير على المستخدم العربي: سياق خاص وتحديات فريدة
تكتسب هذه التجربة أهمية خاصة في سياق العالم العربي، حيث غالبًا ما تكون منصات التواصل الاجتماعي ساحات شديدة الاستقطاب، تتخللها نقاشات حادة حول قضايا سياسية، اجتماعية، دينية، وثقافية. إن المستخدم العربي، شأنه شأن غيره، محاط بفقاعات فلترة تعزز من قناعاته وتحد من تعرضه لوجهات نظر مغايرة، مما يساهم في تعميق الانقسامات.
تخيل منشورًا يتناول قضية اقتصادية حساسة في دولة عربية، أو قضية اجتماعية مثل حقوق المرأة، أو حتى موضوعًا ثقافيًا يثير الجدل. غالبًا ما تتشكل حول هذه المنشورات معسكرات متناحرة. إذا استطاعت ميزة X الجديدة أن تحدد منشورًا حول إحدى هذه القضايا يحظى بإعجاب من قبل مستخدمين يُعرفون بآرائهم المتشددة من جانب وآخرين بآرائهم الليبرالية من جانب آخر، فقد يكون ذلك مؤشرًا على أن المنشور يحتوي على نقطة توافق، أو يقدم حلًا عمليًا، أو يطرح زاوية جديدة للنقاش لم يفكر فيها الطرفان.
على سبيل المثال، في نقاش حول التغير المناخي، قد يجد مؤيدو التنمية الاقتصادية التقليدية ومناصرو البيئة المتشددون نقطة توافق في منشور يقترح حلولًا مستدامة تجمع بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة. في سياق القضايا الاجتماعية، قد يجد المحافظون والليبراليون أرضية مشتركة في منشور يدعو إلى التسامح واحترام الاختلافات، أو يقدم حلولًا عملية لمشكلة مجتمعية تؤثر على الجميع.
ومع ذلك، تواجه هذه الميزة تحديات فريدة في المنطقة. فاللغة العربية غنية بالدلالات والتعابير التي قد يصعب على الخوارزميات فهمها بدقة، خاصةً عند تحليل الفروق الدقيقة في الآراء. كما أن حساسية بعض المواضيع قد تجعل المستخدمين أكثر حذرًا في التعبير عن إعجابهم بمنشورات قد تتعارض مع "خطهم الفكري" المعلن، خوفًا من النقد أو التصنيف. لذا، فإن نجاح هذه التجربة في العالم العربي سيعتمد بشكل كبير على قدرة الخوارزمية على فهم السياقات الثقافية والاجتماعية المعقدة، وعلى مدى تقبل المستخدمين أنفسهم لمفهوم التوافق عبر الاختلاف.
المخاوف والانتقادات المحتملة
بالرغم من النوايا الحسنة وراء هذه التجربة، إلا أنها تثير بعض المخاوف والانتقادات المحتملة التي يجب أخذها في الاعتبار:
- تعريف "الآراء المعارضة": كيف ستحدد X بدقة ما إذا كان المستخدمون يمتلكون "آراء معارضة"؟ هل سيعتمد ذلك على تحليل تاريخ التفاعل فقط، أم على تصنيفات صريحة للمستخدمين (وهو ما قد يثير مخاوف الخصوصية)؟ قد يؤدي أي خطأ في هذا التصنيف إلى نتائج غير دقيقة أو حتى مضللة.
- خطر التسوية الكاذبة: قد تدفع هذه الميزة إلى تسليط الضوء على منشورات تحاول "التوفيق" بين آراء لا يمكن التوفيق بينها، أو قد تضع آراءً مبنية على حقائق راسخة على قدم المساواة مع آراء مبنية على معلومات خاطئة أو نظريات مؤامرة. هذا قد يؤدي إلى إرباك المستخدمين وتشويه مفهوم الحقيقة.
- إمكانية التلاعب: كما هو الحال مع أي نظام يعتمد على التعهيد الجماعي أو الخوارزميات، هناك دائمًا خطر التلاعب. قد يحاول بعض المستخدمين أو المجموعات التلاعب بنظام "الإعجابات" لجعل منشورات معينة تبدو وكأنها تحظى بتوافق واسع، حتى لو لم يكن الأمر كذلك.
- مخاوف الخصوصية: لكي تعمل هذه الخوارزمية بفعالية، ستحتاج X إلى تحليل كميات كبيرة من بيانات المستخدمين لتحديد توجهاتهم الفكرية. هذا يثير تساؤلات حول مدى خصوصية هذه البيانات وكيفية استخدامها وتخزينها.
- فعالية "الإعجاب" كمعيار للتوافق: هل "الإعجاب" بالضرورة يعني "التوافق" أو "التعلم"؟ قد يعجب المستخدم بمنشور لأنه مكتوب بشكل جيد، أو لأنه يثير استفزازه، أو حتى لأنه يريد متابعة النقاش حوله، وليس بالضرورة لأنه يتفق مع محتواه.
الدروس المستفادة من تجارب سابقة ومنصات أخرى
ليست X هي المنصة الوحيدة التي تسعى لمعالجة قضايا الاستقطاب. فمنذ إطلاق Community Notes، تبنت منصات ميتا (فيسبوك، إنستغرام، ثريدز) ميزات مشابهة، وإن كانت بآليات مختلفة، لمكافحة المعلومات المضللة وتعزيز الشفافية. هذا يشير إلى وجود وعي متزايد في صناعة التكنولوجيا بمسؤولية المنصات في تشكيل الخطاب العام.
يكمن التحدي الأكبر في إيجاد التوازن الصحيح بين حرية التعبير، ومكافحة المعلومات المضللة، وتعزيز الحوار البناء. فبينما تسعى X لتمكين المستخدمين من خلال الخوارزميات مفتوحة المصدر والتعهيد الجماعي، فإن نجاح أي من هذه المبادرات يعتمد على التزام المستخدمين أنفسهم بالمشاركة بمسؤولية ونزاهة.
المستقبل الرقمي: هل نحن على أعتاب عصر جديد من الحوار؟
إن تجربة X الجديدة هي بلا شك خطوة طموحة نحو إعادة تشكيل الفضاء الرقمي، وتحويله من ساحة للانقسام إلى منصة للتفاهم. إنها محاولة للاستفادة من قوة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ليس فقط لتصفية المحتوى، بل لتحديد النقاط المضيئة التي يمكن أن تجمع الناس.
إذا نجحت هذه التجربة، فقد لا تقتصر فوائدها على منصة X وحدها، بل قد تلهم منصات أخرى لتبني مقاربات مماثلة، مما قد يؤدي إلى عصر جديد من الحوار الرقمي أكثر نضجًا وإنتاجية. ومع ذلك، فإن الطريق لا يزال طويلًا ومليئًا بالتحديات. فالخوارزميات وحدها لا يمكنها حل المشكلات الاجتماعية العميقة. الدور الأكبر يقع على عاتق المستخدمين أنفسهم، في سعيهم المستمر للتعلم، والتفكير النقدي، والانفتاح على الآخر، حتى لو كانت آراؤهم متباينة.
في نهاية المطاف، يمكن أن تكون هذه التجربة بمثابة تذكير بأن البشر، على الرغم من اختلافاتهم الظاهرة، يمتلكون القدرة على إيجاد أرضية مشتركة والتوافق على قضايا معينة، وأن التكنولوجيا، إذا ما استخدمت بحكمة، يمكن أن تكون جسرًا يربط بين العقول والقلوب، ويدفع العالم إلى الأمام نحو مستقبل أكثر تفاهمًا وتعاونًا.